الاثنين، 7 سبتمبر 2015

ما هی الرجعة؟ و لمن تشمل؟ و متی تقع؟


الرجعة لغة بمعنی الرجوع[1] و فی الاصطلاح بمعنی رجوع عدد من الافراد «المؤمنین الخلص و الکافرون محضاً» بعد الموت و قبل قیام القیامة إلی الدنیا مرة أخری.

و الاعتقاد بالرجعة هو من جملة معتقدات مذهب أهل البیت (ع) استناداً الی آیات و روایات متعددة.

الف: الآیات التی تشیر الی الرجعة:

من التدبر فی الآیات یمکننا أن نستنج أن القرآن أشار إلی مسألة الرجعة بنحوین.

1. الآیات التی تشیر إلی وقوع الرجعة فی المستقبل، کالآیة 83 من سورة النمل حیث یقول الله تعالی فی هذه الآیة: «وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُون‏» فقد ذهب کثیر من العلماء إلی أن فی الآیة إشارة إلی مسألة الرجعة و رجوع فریق من المذنبین و المحسنین إلی هذه الدنیا قبل یوم القیامة، لانه لو کانت الإشارة إلی القیامة نفسها و البعث فلا یصح التعبیر به «من کل أمة فوجاً» لان الکل یحشر فی القیامة، حیث یقول القرآن فی سورة الکهف الآیة 47: «وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَدا».

2. الآیات التی تتحدث عن وقوع حوادث فی الامم السابقة، و التی تعتبر فی الواقع رجعة، و من هذه الآیات:

2-1. الآیة 259 من سورة البقرة: «أَوْ کَالَّذی مَرَّ عَلى‏ قَرْیَةٍ وَ هِیَ خاوِیَةٌ عَلى‏ عُرُوشِها قالَ أَنَّى یُحْیی‏ هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ کَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عام‏»، و سواء کان هذا النبی عزیر أو غیره، فان ذلک لا یؤثر فالمهم هو تصریح القرآن بالحیاة بعد الموت فی هذه الدنیا.[2]

2-2. الآیة 243 من سورة البقرة، و هی تتحدث عن مجموعة اخری خرجوا من دیارهم خوفاً من الموت - أو امتنعوا من الاشتراک فی الجهاد بحجة مرض الطاعون – بناء علی ما ذکره بعض المفسرین- فأماتهم الله تعالی ثم أحیاهم.[3]

2-3. الآیتان 55 و 56 من سورة البقرة، تتحدثان عن بنی اسرائیل و ان مجموعة منهم بعد طلبهم رؤیة الله أخذتهم الصاعقة الممیتة فماتوا ثم أحیاهم الله لعلهم یشکرون.[4]

2-4. الآیة 110 من سورة المائدة، و من خلال ذکرها لمعجزات عیسی (ع) تقول: « و اذ تخرج الموتی باذنی»[5] و یشیر هذا التعبیر إلی إن المسیح (ع) قد استخدم هذه المعجزة، بل ان التعبیر بالفعل المضارع (تخرج) فیه دلیل علی تکرار ذلک، و یعتبر هذا نوعا من الرجعة لبعض الناس.

2-5. الآیة 73 من سورة البقرة، حول القتیل الذی وقع النزاع فی بنی اسرائیل حول قاتله، حیث تقول بأنهم أمروا أن یذبحوا بقرة بمواصفات خاصة و یضربوا جزءاً من بدنها ببدن القتیل لکی یعود للحیاة و یعرف قاتله فینتهی النزاع.[6]

و بالاضافة إلی هذه الموارد الخمسة فانه توجد موارد اخری فی القرآن، مثل قصة اصحاب الکهف حیث تضمّنت ما یشابه الرجعة و قصة الطیور الاربعة لابراهیم (ع) التی عادت إلی الحیاة بعد ذبحها لکی تصوّر له امکان المعاد بالنسبة للناس و فیها إشارة أیضا إلی الرجعة.[7]

ب: الروایات التی تشیر الی الرجعة:

قال الامام الصادق (ع) حول الرجعة: «أَمَا وَ اللَّهِ لَا تَذْهَبُ الْأَیَّامُ وَ اللَّیَالِی حَتَّى یُحْیِیَ اللَّهُ الْمَوْتَى وَ یُمِیتَ الْأَحْیَاءَ وَ یَرُدَّ اللَّهُ الْحَقَّ إِلَى أَهْلِهِ وَ یُقِیمَ دِینَهُ الَّذِی ارْتَضَاهُ لِنَفْسِه‏»، و أیضاً عن الامام الرضا (ع) و قد سأله الْمَأْمُونُ یَا أَبَا الْحَسَنِ فَمَا تَقُولُ فِی الرَّجْعَةِ؟ فَقَالَ الرِّضَا (ع): إِنَّهَا الْحَقُّ وَ قَدْ کَانَتْ فِی الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَ نَطَقَ بِهَا الْقُرْآنُ وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): یَکُونُ فِی هَذِهِ الْأُمَّةِ کُلُّ مَا کَانَ فِی الْأُمَمِ السَّالِفَةِ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّة».[8]

و الروایات فی هذا المجال کثیرة و لکنا للاختصار نکتفی بهاتین الروایتین.

وقوع الرجعة من وجهة نظر العقل و الفلسفة:

و یلزم أن نشیر هنا إلی عدة موارد مما یعد حکمة و فلسفة للرجعة:

1. الوصول إلی التکامل: إن عالم الدنیا هو ظرف وصول القوی إلی الفعیلة و تکامل الاستعدادات، و انه خلق من أجل الوصول الی الآخرة، فهو یحتضن الموجودات لإیصالها إلی الکمال المطلوب. و حیث ان عدداً من المؤمنین الخلص لم یمکنهم مواصلة هذا المسار المعنوی لوجود الموانع و الموت غیر الطبیعی، فاقتضت حکمة الله الحکیم أن یعود هؤلاء إلی الدنیا و یتمّوا سیرهم التکاملی. یقول الامام الصادق (ع): «لیس أحد من المؤمنین قتل الاّ سیرجع حتی یموت و لا أحد من المؤمنین مات الاّ سیرجع حتی یقتل(أی یحصل علی ثواب الشهادة)».[9]

2. الجزاء الدنیوة:

کم من الناس من کان فی هذه الدنیا محروماً من جمیع حقوقه لأسباب مختلفة و قتل مظلوماً و لم یؤخذ بحقه، فمن جملة حکم الرجعة هی ان الله تعالی یعید کلا الطرفین إلی الدنیا لکی یستوفی المظلوم حقه بیده من الظالم. قد روی عن الامام الکاظم (ع) انه قال: «قَالَ لَتَرْجِعَنَّ نُفُوسٌ ذَهَبَتْ وَ لَیُقْتَصَّنَّ یَوْمَ یَقُومُ وَ مَنْ عُذِّبَ یَقْتَصُّ بِعَذَابِهِ وَ مَنْ أُغِیظَ أَغَاظَ بِغَیْظِهِ وَ مَنْ قُتِلَ اقْتَصَّ بِقَتْلِهِ وَ یُرَدُّ لَهُمْ أَعْدَاؤُهُمْ مَعَهُمْ حَتَّى یَأْخُذُوا بِثَأْرِهِمْ ثُمَّ یَعْمُرُونَ بَعْدَهُمْ ثَلَاثِینَ شَهْراً ثُمَّ یَمُوتُونَ فِی لَیْلَةٍ وَاحِدَةٍ قَدْ أَدْرَکُوا ثَارَهُمْ وَ شَفَوْا أَنْفُسَهُمْ وَ یَصِیرُ عَدُوُّهُمْ إِلَى أَشَدِّ النَّارِ عَذَاباً ثُمَّ یُوقَفُونَ بَیْنَ یَدَیِ الْجَبَّارِ عَزَّ وَ جَلَّ فَیُؤْخَذُ لَهُمْ بِحُقُوقِهِمْ ».[10]

بناء علی هذا، فان هدف عودة هذه المجموعة هو إکمال الحلقة التکاملیة للطرف الاوّل و هبوط الطرف الثانی إلی أرذل درجات الذلة، مع الالتفات إلی عدم کون الرجعة عمومیة و انها مختصة بخلص المؤمنین و محض الکافرین کما قال الامام الصادق (ع): «و إِنَّ الرَّجْعَةَ لَیْسَتْ بِعَامَّةٍ وَ هِیَ خَاصَّةٌ لَا یَرْجِعُ إِلَّا مَنْ مَحَضَ الْإِیمَانَ مَحْضاً أَوْ مَحَضَ الشِّرْکَ مَحْضاً »[11]

و بذلک یتضح ان هذین الموردین هما من الحکم الاساسیة للرجعة.

3. نصرة الدین و المشارکة فی تکوین حکومة العدل العالمی:

یستفاد من آیات و روایات متعددة ان دین الاسلام و حکومة العدل الالهی سیسیطر علی العالم کله علی ید قائم آل محمد (عج). یقول تعالی: «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهاد».[12] و یستفاد من ظاهر هذه الآیة ان هذه النصرة ستکون جماعیة و لیست فردیة، و حیث انه لم تتحقق الی الآن مثل هذه النصرة، فانها ستتحق فی المستقبل قطعاً، لان و عدالله لا یمکن ان یتخلف. و لذا یقول الامام الصادق (ع) فی تفسیر هذه الآیة: «ذَلِکَ وَ اللَّهِ فِی الرَّجْعَةِ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ أَنْبِیَاءَ اللَّهِ کَثِیرَةٌ لَمْ یُنْصَرُوا فِی الدُّنْیَا وَ قُتِلُوا وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِمْ قُتِلُوا وَ لَمْ یُنْصَرُوا وَ ذَلِکَ فِی الرَّجْعَةِ».[13]

یقول الامام الباقر (ع) أیضاً فی تفسیر الآیة المبارکة: «هُوَ الَّذی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ وَ دینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَى الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُون‏»، قال: «یظهره الله عز و جل فی الرجعة».[14]

زمان وقوع الرجعة:

وردت روایات بهذا الخصوص تذکر أن الرجعة تقع بعد ظهور ولی العصر (عج) بفترة قصیرة و قبل استشهاده (ع) و وقوع القیامة. یقول الامام الصادق (ع): «وَ إِذَا آنَ قِیَامُهُ مُطِرَ النَّاسُ جُمَادَى الْآخِرَةَ وَ عَشَرَةَ أَیَّامٍ مِنْ رَجَبٍ مَطَراً لَمْ تَرَ الْخَلَائِقُ مِثْلَهُ فَیُنْبِتُ اللَّهُ بِهِ لُحُومَ الْمُؤْمِنِینَ وَ أَبْدَانَهُمْ فِی قُبُورِهِمْ وَ کَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَیْهِمْ مُقْبِلِینَ مِنْ قِبَلِ جُهَیْنَةَ[15] یَنْفُضُونَ شُعُورَهُمْ مِنَ التُّرَابِ».[16]

و مسک الختام هو أن نشیر ألی أنه بناء علی بعض الروایات فان أوّل من یرجع هو سید الشهداء (ع) و نقل عن الامام نفسه أنه قال (ع): «أکون أوّل من ینشق الارض عنه فاخرج خرجة یوافق ذلک خرجة امیر المؤمنین و قیام قائمنا (عج)».[17]

و رویت روایة اخری بنفس هذا المضمون عن الامام الصادق (ع) حیث قال: «أوّل من یرجع الی الدنیا الحسین بن علی (ع) فیملک حتی یسقط حاجباه علی عینیه من الکبر».[18]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Disqus Shortname

Comments system

Ad Inside Post