السبت، 26 سبتمبر 2015

في رحاب :سيد البطحاء أبــو طــالـــب كافل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وناصره-5


الفصل الخامس

موقف الرسول(صلى الله عليه وآله)
والأئمة(عليهم السلام) والصحابة من أبي طالب
أولاً موقف الرسول(صلى الله عليه وآله) :
كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يحبّ أبا طالب ويثني عليه طيلة حياته، ولا يمكن فصل حياة أبي طالب عن سيرة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، كما هو واضح من خلال الفصول السابقة، والآن نذكر بعض الروايات على سبيل الاختصار، والتي تبيّن رأي رسول الله(صلى الله عليه وآله) في أبي طالب ومستوى العلاقة بينهما، ثم نذكر دفاع أئمة أهل البيت(عليهم السلام)والصحابة عنه.

جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: أن أبا طالب لمّا مات; جاء علي(عليه السلام)الى رسول الله(صلى الله عليه وآله)فآذنه في موته فتوجع عظيماً وحزن شديداً، ثم قال له: امض فتول غسله، فإذا رفعته على سريره فأعلمني ، ففعل فاعترضه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو محمول على رؤوس الرجال، فقال: وصلتك رحم يا عم جزيت خيراً، فلقد ربيت وكفلت صغيراً ونصرت وآزرت كبيراً»، ثم تبعهالى حفرته، فوقف عليه، فقال: «أما والله لأستغفرن لك ولأشفعنفيك شفاعة يعجب لها الثقلان»[1].
وقد أجاد الشيخ المفيد(رحمه الله) عندما علّق على هذا الحديث بقوله: في هذا الحديث دليلان على إيمان أبي طالب(رضي الله عنه):
الأول: أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) عليّاً(عليه السلام) بغسله وتكفينه دون الحاضرين من أولاده، إذ كان من حضره منهم سوى أمير المؤمنين إذ ذاك على الجاهلية، لأن جعفراً(رحمه الله) كان يومئذ ببلاد الحبشة، وكان عقيل وطالب حاضرين وهما يومئذ على خلاف الإسلام، لم يسلما بعد، وأمير المؤمنين(عليه السلام)كان مؤمناً بالله تعالى ورسوله، فخصّ المؤمن منهم بولاية أمره، وجعله أحقّ به منهما لإيمانه وخاصّته إياه في دينه.
ولو كان أبو طالب (رضي الله عنه) قد مات على ما يزعمه النواصب من الكفر، كان كل من عقيل وطالب أحقّ بتولي أمره من علي(عليه السلام)، ولما جاز للمسلم من ولده القيام بأمره لانقطاع العصمة بينهما.
وفي حكم رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام) به دونهما وأمره إياه بإجراء أحكام المسلمين عليه من الغسل والتطهير والتحنيط والتكفين والمواراة، شاهد صدق على إيمانه كما بيّناه.
الثاني: دعاء النبي(صلى الله عليه وآله) له بالخيرات، ووعده اُمته فيه بالشفاعة الى الله واتباعه بالثناء والحمد والدعاء، وهذه هي الصلاة التي كانت مكتوبة إذ ذاك على أموات أهل الإسلام، ولو كان أبو طالب قد مات كافراً; لما وسع رسول الله(صلى الله عليه وآله) الثناء عليه بعد الموت، والدعاء له بشيء من الخير، بل كان يجب عليه اجتنابه واتباعه بالذم واللوم على قبح ما أسلفه من الخلاف له في دينه، كما فرض الله عزّ وجل ذلك عليه للكافرين، حيث يقول: (ولا تصلّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره)[2]. وقوله تعالى: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنه عدوٌّ لله تبرأ منه)[3].
وإذا كان الأمر على ما وصفناه; ثبت أن أبا طالب(رضي الله عنه)، مات مؤمناً بدلالة فعله ومقاله(صلى الله عليه وآله)[4].
جاء في تاريخ الطبري:
لما مات أبو طالب; نالت قريش من النبي(صلى الله عليه وآله)، من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه تراباً ، فدخل رسول الله(صلى الله عليه وآله) بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته تغسل عنه التراب وتبكي ورسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول لها: (يا بنيّة فإن الله مانع أباك، مانالت منّي قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب)[5].
وجاء عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)، قال : «هبط جبرئيل فقال لي: يا محمد! إن الله عزّ وجلّ مشفعك في ستة: بطن حملتك آمنة بنت وهب، وصلب أنزلك عبدالله بن عبدالمطلب، وحجر كفلك أبو طالب، وبيت آواك عبدالمطلب، وأخ كان لك في الجاهلية، وثدي أرضعك حليمة بنت أبي ذؤيب»[6].
ثانياً موقف الأئمة(عليهم السلام) :
أـ وتصدّى أمير المؤمنين لحملة تكفير أبيه في حينها، فقال: «كان والله أبو طالب عبدمناف ابن عبدالمطلب، مؤمناً مسلماً يكتم إيمانه مخافة على بني هاشم أن ينبذها قريش»[7].
وقال أيضاً: «مامات أبو طالب حتى أعطى رسول الله(صلى الله عليه وآله) من نفسه الرضا»[8].
ب ـ كما واجه الإمام الحسين(عليه السلام) هذه الدعوة، فقال عن والده أمير المؤمنين(عليه السلام): إنه كان جالساً في الرحبة والناس حوله فقام إليه رجل، فقال له: يا أمير المؤمنين! إنّك بالمكان الذي أنزلك الله وأبوك معذّبٌ في النار؟ قال له: «مه! فضَّ الله فاك، والذي بعث محمداً بالحق نبيّاً، لو شفع أبي من كل مذنب على وجه الأرض لشفّعه الله، أأبي معذبٌ في النار وابنه قسيم الجنة والنار؟ والذي بعث محمداً بالحق، إن نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلائق إلاّ خمسة أنوار: نور محمد ونور فاطمة، ونور الحسن والحسين ونور ولده من الأئمة، إلاّ أن نوره من نورنا خلقه الله من قبل خلق آدم بألفي عام»[9].
ج ـ ودافع الإمام علي بن الحسين السجّاد(عليه السلام) عن جدّه أبي طالب، وحاول إحباط تلك المزاعم التي تُبَثّ في أوساط الناس حول كفر أبي طالب، حيث يستهدف منها النيل من علي وولده، فأجاب الإمام السجاد عندما سُئل عن أبي طالب أكان مؤمناً؟ فقال(عليه السلام): نعم فقيل له: إن هاهنا قوماً يزعمون أنه كافر . فقال (عليه السلام): «واعجبا كل العجب! أيطعنون على أبي طالب أو على رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وقد نهاه الله تعالى أن يقرن مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن، ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله تعالى عنها من المؤمنات السابقات ، فإنها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب(رضي الله عنه)»[10].
د ـ ما روي عن الإمام محمّد الباقر(عليه السلام) في أبي طالب(عليه السلام) عن أبي بصير ليث المرادي، قال قلت لأبي جعفر(عليه السلام): سيّدي! إن الناس يقولون: إن أبا طالب في ضحضاح من النار يغلي منه دماغه، فقال(عليه السلام): كذبوا والله إنّ إيمان أبي طالب لو وضع في كفّة الميزان وإيمان هذا الخلق في كفّة ميزان لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم
ثم، قال: ألم تعلموا أن أمير المؤمنين عليّاً(عليه السلام)، كان يأمر أن يحجّ عن عبدالله وابنه وأبي طالب في حياته ثمّ أوصى في وصيّته بالحج عنهم»[11].
هـ ـ ما روي عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام): عن يونس بن نباتة عن الإمام الصادق(عليه السلام)، قال: يا يونس ! ما يقول الناس في أبي طالب؟
قلت: جعلت فداك يقولون : هو في ضحضاح من نار يغلي منها اُمّ رأسه فقال: كذب أعداء الله، إنّ أبا طالب من رفقاء النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وحسن اُولئك رفيقاً»[12].
وقال عبدالرحمن بن كثير: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إنّ الناس يزعمون أن أبا طالب في ضحضاخ من نار، فقال: كذبوا ، ما بهذا نزل جبرئيل على النبي(صلى الله عليه وآله) ، قلت: وبما نزل؟ قال: أتى جبرائيل في بعض ما كان عليه، فقال: يا محمّد! إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول لك: إن أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرّتين ، وإن أبا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك فأتاه الله أجره مرّتين، وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله تعالى بالجنة، ثم قال: كيف يصفونه بهذا؟ وقد نزل جبرائيل ليلة ـ ليلة مات أبو طالب ـ فقال: يا محمد! اخرج من مكة، فمالك بها ناصر بعد أبي طالب[13].
و ـ ما روي عن الإمام الكاظم(عليه السلام) عن درست بن أبي منصور أنّه سأل أبا الحسن الأوّل ـ الإمام الكاظم(عليه السلام) ـ أكان رسول الله(صلى الله عليه وآله)محجوجاً بأبي طالب؟ فقال: لا ، ولكنه كان مستودعاً للوصايا فدفعها إليه. فقال: قلت: فدفع إليه الوصايا على أنه محجوجٌ به؟ فقال: لو كان محجوجاً به ما دفع اليه الوصيّة. قال: قلت: فما كان حال أبي طالب؟ قال: أقرّ بالنبيّ وبما جاء به ودفع إليه الوصايا ومات من يومه[14].
ز ـ ما روي عن الإمام الرّضا(عليه السلام) : 1 ـ أخرج شيخنا الكراجكي بإسناده عن أبان بن محمد، قال: كتبت الى الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)، جعلت فداك إنّي قد شككت في إسلام أبي طالب ، فكتب إليه : (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين)[15] الآية، وبعدها إنّك إن لم تقرّ بإيمان أبي طالب كان مصيرك الى النار»[16].
2 ـ روى شيخنا المفسّر الكبير أبو الفتوح في تفسيره عن الإمام الرضا سلام الله عليه ، أنّه روى عن آبائه بعدّة طرق: «إنّ نقش خاتمأبي طالب(عليه السلام) كان رضيت بالله ربّاً، وبابن أخي محمد نبيّاً، وبابنيعلي له وصيّاً»[17].
ثالثاً: الصحابة يشهدون بإسلام أبي طالب(عليه السلام)
أ: عن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء أبو بكر الى النبي(صلى الله عليه وآله)بأبي قحافة يقوده وهو شيخ كبير أعمى، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأبي بكر: ألا تركت الشيخ حتى نأتيه ، فقال: أردت يا رسول الله أن يأجرني الله، أما والذي بعثك بالحق لأن كنت أشدّ فرحاً بإسلام عمّك أبي طالب منّي بإسلام أبي، ألتمس بذلك قرة عينك، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): صدقت[18].
ب: أخرج أبو جعفر الصدوق(قدس سره) في الأمالي بإسناده عن سعيد بن جبير عن عبدالله بن عباس أنّه سأله رجل، فقال له: يابن عم رسول الله! أخبرني عن أبي طالب هل كان مسلماً؟
قال: وكيف لم يكن مسلماً وهو القائل:
وقد علموا أنّ ابننا لا مكذبّ***لدينا ولا يعبأ بقيل الأباطل
إن أبا طالب كان مثله كمثل أصحاب الكهف حين أسرَّوا الإيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرتين[19].
وجاء عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: أخبرني أبي أنّأبا طالب(رضي الله عنه) شهد عند الموت أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله(صلى الله عليه وآله)[20].
ج : في تفسير الوكيع من طريق أبي ذر الغفاري، أنه قال: والله الذي لا إله إلاّ هو، مامات أبو طالب(رضي الله عنه)حتى أسلم بلسان الحبشة قال لرسول الله(صلى الله عليه وآله): أتفقه الحبشية! قال: يا عمّ ! إن الله علّمني جميع الكلام. قال: يا محمد! (اسدن لمصاقا قاطالاها) يعني أشهد مخلصاً لا إله إلاّ الله ، فبكى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقال: «إنّ الله أقرّ عيني بأبي طالب»[21].
د ـ أخرج أبو الفتوح الإصفهاني بالإسناد عن محمد بن حميد قال: حدّثني أبي، فقال: سئل أبو الجهم بن حذيفة: أصَلّى النبي(صلى الله عليه وآله)على أبي طالب؟ فقال: وأين الصلاة يومئذ؟ إنما فرضت الصلاة بعد موته، ولقد حزن عليه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأمر عليّاً بالقيام بأمره وحضر جنازته وشهد له العبّاس وأبو بكر بالإيمان، وأشهد على صدقهما لأنه كان يكتم إيمانه، ولو عاش الى ظهور الإسلام; لأظهر إيمانه[22].
قال ابن أبي الحديد: قالوا: وقد روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبدالمطلب ، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة، أن أبا طالب ما مات حتى قال: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله. والخبر المشهور أن أبا طالب قال عند الموت كلاماً خفيّاً، فأصغى إليه أخوه العباس، ثم رفع رأسه الى رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال: يابن أخي! والله قد قالها عمّك ، ولكنّه ضعف عن أن يبلغك صوته[23].
وفي كلام آخر لابن أبي الحديد وهو بصدد ذكر قطعية إسلام أبي طالب في نظر معاصريه قال:
ولَوْلا أبو طالب وابنُهُ***لما مُثِّل الدّين شَخْصاً فقاما
فذَاك بمكّة آوى وحامى***وهذا بيثربَ جسّ الحِماما
تكفّلَ عبدُ مناف بأمر***وأودَى فكان عليٌّ تماما
فقل في ثَبير مضى بعدما***قَضى ما قضاه وأبقى شَماما
فللّه ذا فاتحاً للهدى***ولله ذا للمعالي ختاما
وما ضَرَّ مجدَ أبي طالب***جهولٌ لَغَا أو بصيرٌ تعامى
كما لا يضرّ إياةَ الصّبا[24]***حِ مَنْ ظنّ ضوءالنّهار الظّلاما[25]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Disqus Shortname

Comments system

Ad Inside Post