أَمَّا بَعْدُ:
- فَإِنَّ الدُّنْيَا [قَدْ] أَدْبَرَتْ وَ آذَنَتْ 1 بِوَدَاعٍ .
- وَ إِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَ أَشْرَفَتْ بِاطِّلَاعٍ 2 .
- أَلَا وَ إِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ 3 وَ غَداً السِّبَاقَ ، وَ السَّبَقَةُ الْجَنَّةُ 4 وَ الْغَايَةُ النَّارُ.
- أَفَلَا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ 5 .
- أَ لَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ 6 .
- أَلَا وَ إِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ ، فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَ لَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ ، وَ مَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَ ضَرَّهُ أَجَلُهُ.
- أَلَا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ 7 .
- أَلَا وَ إِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَ لَا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا .
- أَلَا وَ إِنَّهُ مَنْ لَا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ ، وَ مَنْ لَا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلَالُ إِلَى الرَّدَ.
- أَلَا وَ إِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ 8 وَ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ.
- وَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ [عَلَيْكُمْ] عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ ، اتِّبَاعُ الْهَوَى وَ طُولُ الْأَمَلِ ، فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا [تُحْرِزُونَ] تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ 9 غَداً 10 11 .
- 1. آذَنَتْ: أعلمت .
- 2. أشرَفَتْ باطّلاع: أقبلت علينا بغتة .
- 3. المِضْمار: الموضع و الزمن الذي تضمّر فيه الخيل ، و تضمير الخيل أن تربط و يكثر علفها و ماؤها حتى تسمن ، ثم يقلل علفها و ماؤها و تجري في الميدان حتى تهزل ، ثم تردّ إلى القوت ، و المدة أربعون يوما . و قد يطلق التضمير على العمل الأول أو الثاني ، و إطلاقه على الأول لأنه مقدمة للثاني و إلا فحقيقة التضمير : إحداث الضمور و هو الهزال و خفة اللحم ، و إنما يفعل ذلك بالخيل لتخف في الجري يوم السباق .
- 4. السّبَقَة- بالتحريك - الغاية التي يجب على السابق أن يصل إليها .
- 5. المنيّة: الموت و الأجل .
- 6. البُؤس – بالضم - : اشتداد الحاجة سوء احالة .
- 7. الرهبة- بالفتح - هي مصدر رهب الرجل - من باب علم - رهبا بالفتح و بالتحريك و بالضم ، و معناه خاف .
- 8. الظعن- بالسكون و التحريك - الرحيل عن الدنيا و فعله كقطع .
- 9. تحرزون أنفسكم : تحفظونها من الهلاك الأبدي .
- 10. نهج البلاغة : 71 ، خطبة 28 من طبعة صبحي صالح .
- 11. قال السيد الشريف رضي الله عنه : و أقول إنه لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزهد في الدنيا و يضطر إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام و كفى به قاطعا لعلائق الآمال و قادحا زناد الاتعاظ و الازدجار و من أعجبه قوله (عليه السلام) " ألا و إن اليوم المضمار و غدا السباق و السبقة الجنة و الغاية النار " فإن فيه مع فخامة اللفظ و عظم قدر المعنى و صادق التمثيل و واقع التشبيه سرا عجيبا و معنى لطيفا و هو قوله (عليه السلام) : " و السبقة الجنة و الغاية النار " فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين و لم يقل السبقة النار كما قال السبقة الجنة لأن الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب و غرض مطلوب و هذه صفة الجنة و ليس هذا المعنى موجودا في النار نعوذ بالله منها فلم يجز أن يقول و السبقة النار بل قال و الغاية النار لأن الغاية قد ينتهي إليها من لا يسره الانتهاء إليها و من يسره ذلك فصلح أن يعبر بها عن الأمرين معا فهي في هذا الموضع كالمصير و المآل قال الله تعالى : {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} و لا يجوز في هذا الموضع أن يقال - سبْقتكم بسكون الباء إلى النار فتأمل ذلك فباطنه عجيب و غوره بعيد لطيف و كذلك أكثر كلامه عليه السلام و في بعض النسخ و قد جاء في رواية أخرى و السُّبْقة الجنة بضم السين و السبقة عندهم اسم لما يجعل للسابق إذا سبق من مال أو عرض و المعنيان متقاربان لأن ذلك لا يكون جزاء على فعل الأمر المذموم و إنما يكون جزاء على فعل الأمر المحمود .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق