مضمون هذه الشبهة : إنّ طلب الاَجر على الرسالة والهداية من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لا يتناسب مع مقام النبوة السامي ؛ لاَنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم متفانٍ في الله
سبحانه ، وان كل الذي عاناه من العذاب والمشقة والهجرة وسوء المعاملة
والحصار والمحاربة حتى من عشيرته وقومه ، والذي تحمله بصبر وإيمان منقطع
النظير ، كان في عين الله وفي سبيله لا يبتغي منه إلاّ مرضاة الله سبحانه وتعالى ، وأنّه لا يطلب أي شيء على ذلك ، فلايناسبه صلى الله عليه وآله وسلم أن يطلب أجراً على الرسالة في مودة قرباه .
وقالوا إنّ الآية تناقض بعض الآيات القرآنية التي تنفي طلب الاَجر ، مثل قوله تعالى : ﴿ ... قُلْ ما أسألُكُم عَلَيهِ مِن أجرٍ وَمَا أنَا مِنَ المُتَكَلّفِينَ ﴾ (1). وقوله تعالى : ﴿ قُلْ ما سألتُكُم مِن أجرٍ فَهُو لَكُم إن أجرِيَ إلاّ عَلى اللهِ وهُو على كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌ ﴾ (2). وقوله تعالى : ﴿ قُلْ ما أسألكُم عَلَيهِ مِن أجرٍ إلاّ مَن شَاءَ أن يَتَّخِذَ إلى ربِّهِ سَبِيلاً ﴾ (3). وقوله تعالى : ﴿ قُلْ لا أسألُكُم عليهِ أجراً إن هُوَ إلاّ ذِكرى للعَالَمِينَ ﴾ (4). الجواب : إنّ المتتبع لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالاَخص في بداية الدعوة الاِسلامية يجد أن النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد وقف بكل صلابة وإيمان راسخ في محاربة العصبية القبلية والحمية الجاهلية التي كانت سائدة في المجتمع الجاهلي آنذاك ، وقد وضع الاِسلام مقابل ذلك ميزاناً آخر للاَفضلية وهو التقوى والعمل الصالح ، قال تعالى :﴿ إنّ أكرَمَكُم عِندَ اللهِ أتقَاكُم ﴾ (5). وعلى هذا الاَساس حارب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل من حارب الاِسلام ووقف عقبة أمام نشره ولو كان أقرب الناس إليه في القرابة مثل عمه وعشيرته ، فتراه لعن عمّه أبا لهب وتبرأ منه :﴿ تَبَّت يَدَا أبي لَهبٍ وَتَبَّ * ماأغنَى عَنهُ مَالُهُ وما كَسَبَ... ﴾ (6)، ومن جانب آخر قرّب إليه من آمن به وصدّق بنبوّته ولو كان لا يمس إليه بصلة أو قرابة ، بل حتى لو كان عبداً حبشياً أو مولىً ، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم في حق سلمان الفارسي : «سلمان منّا أهل البيت » (7). فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما يطلب المودة لاَقربائه ويجعلها أجراً على رسالته ، لا يعني بذلك جميع أقربائه ؛ لاَنّ ذلك ينافي صريح القرآن الكريم ، إذ كيف يطلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مودة من لعنه الله في محكم كتابه مثل أبي لهب ، وإنّما يطلب المودة لمجموعة خاصة وأفراد معينين من أقربائه ، والذين بهم يتم حفظ الرسالة الاِسلامية والنبوة المحمدية ، ومنهم يؤخذ الدين الصحيح ، وبهم النجاة من الاختلاف والانحراف ، وهم الاَئمة المعصومون عليهم السلام من أهل البيت . فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إذن يطلب الاَجر الذي هو بالحقيقة عائد إلى المسلمين ، لا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا إلى أهل بيته عليهم السلام ؛ لاَنّهم لم يكونوا بحاجة إلى هذه المودة ، إلاّ بالقدر الذي يفيد سائر الاُمّة في الحفاظ على مبادىَ الدين وكتاب الله المبين وسيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم . وبهذا يتضح أنه ليس ثمة منافاة بين الآية وبين الآيات التي تنفي طلب الاَجر ، فالاَجر في الآيات هو أجر حقيقي ، وهذا ما لا يطلبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنّما عمله خالص لله تعالى ، أما الاَجر في الآية فهو لفظي ؛ لاَنّه يرجع بكلِّ بركاته ومعطياته على المسلمين ، وهو صريح قوله تعالى :﴿ قُلْ ما سألتُكُم من أجر فَهُو لَكُم... ﴾. وقد تأكد ممّا قدمناه أنّ آية المودة والنصوص المفسرة لها كافية في إثبات وجوب حبّ أهل البيت عليهم السلام على كل مسلم ، ولتأصيل هذا المبدأ وتعميق دلالاته نورد بعض الآيات الاَخرى المفسّرة بهذا المعنى . |
(1) سورة ص : 38 | 86 . (2) سورة سبأ : 34 | 47 . (3) سورة الفرقان : 25 | 57 . (4) سورة الانعام : 6 | 90 . (5) سورة الحجرات : 49 | 13 . (6) سورة المسد : 111 | 1 ـ 2 . (7) أُسد الغابة 2 : 421 . ومسند أبي يعلى 6 : 177 | 6739 ، دار المأمون للتراث ـ دمشق ط1 . |
|
الأحد، 27 سبتمبر 2015
الآية لا تتناسب مع مقام النبوة ومنافية لبعض الآيات
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق