البحث الثالث
فضيلة التّربة الحسينية
كان الأوزاعي وهو اُستاذ أبي حنيفة، إذا أراد السفر من المدينة حمل معه طينة منها ليسجد عليها فسُئل عن ذلك، فقال: إن أفضل بقعة في الأرض هي البقعة التي دفن عليها رسول الله(صلى الله عليه وآله)وأحبّ أن يكون سجودي لله تعالى عليها [1] .
عن عائشة أو اُمّ سلمة، أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال لأحدهما: «لقد دخل عليّ البيت ملك لم يدخل عليّ قبلها، فقال لي إن ابنك هذا الحسين مقتول وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، قال: فاخرج تربة حمراء» [2] .
عن اُمّ سلمة قالت: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) جالساً ذات يوم في بيتي، قال: «لا يدخل عليّ أحد»، فانتظرت فدخل الحسين(عليه السلام) فسمعت نشيج رسول الله(صلى الله عليه وآله) يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي(صلى الله عليه وآله)يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل، فقال: «إن جبرئيل(عليه السلام)كان معنا في البيت، قال أفتحبّه، قلت: أما في الدنيا فنعم»، قال: إنّ اُمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبرئيل من تربتها فأراها النبي(صلى الله عليه وآله) فلما اُحيط بحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء ، فقال: صدق رسول الله كرب وبلاء [3] .
محمد بن المشهدي في المزار الكبير ، بإسناده عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن أبيه ، عن الصادق جعفر بن محمد(عليهما السلام) قال: «إنّ فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان سبحتها من خيط مفتل، معقود عليه عدد التكبيرات، وكانت (عليها السلام) تديرها بيدها تكبّر وتسبّح حتى قتل حمزة بن عبدالمطلب فاستعملت تربته وعملت التسابيح، فاستعملها الناس، فلمّا قتل الحسين(عليه السلام) عدل بالأمر إليه، فاستعملوا تربته، لما فيه من الفضل والمزيّة» [4] .
إن أرض كربلاء كأرض مكة والمدينة محاطة بهالة من التقديس والتعظيم، ويقول الرواة: إن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) لما اجتاز على أرض كربلاء أخذ قبضة من ترابها فشمّها وبكى حتى بلّ الأرض بدموعه، وهو يقول: «يحشر من هذا الظهر سبعون ألف يدخلون الجنة بغير حساب» [5] . وروت أُمّ المؤمنين السيدة اُم سلمة، قالت: إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) اضطجع ذات ليلة للنوم وهو حائر ـ أي مضطرب ـ ثم اضطجع وهو حائر دون ما رأيت به المرة الاُولى، ثم اضطجع وفي يده تربة حمراء، وهو يقبلها ، فقلت له: «ما هذه التربة يا رسول الله ؟ ..»
فقال: «أخبرني جبرئيل أن هذا ـ وأشار الى الحسين ـ يقتل بأرض العراق، فقلت لجبرئيل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربته» [6] .
وروت السيدة اُمّ الفضل بنت الحارث، قالت: إن الحسين في حجري فدخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) ثم حانت مني إلتفاتة، فإذا عينا رسول الله(صلى الله عليه وآله)تهريقان من الدموع، فقلت له:
«يا نبي الله، بأبي أنت وأمي مالك؟!»
«أتاني جبرئيل فاخبرني أن أُمتي ستقتل ابني هذا.
وذعرت اُمّ الفضل وراحت تقول:
«يقتل هذا ـ وأشارت الى الحسين ...؟ ».
نعم وأتاني جبرئيل بتربة من تربته حمراء» [7] .
وروت عائشة قالت: دخل الحسين بن علي على رسول الله(صلى الله عليه وآله)وهو يوحي إليه فنزا على رسول الله، وهو منكب فقال جبرئيل: أتحبه يا محمد؟ قال: وما لي لا أحب ابني؟ قال: فإن اُمتك ستقتله من بعدك، فمدَّ جبرئيل يده فأتاه بتربة بيضاء، فقال: في هذه الأرض يقتل ابنك هذا، واسمها الطف، فلما ذهب جبرئيل من عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) والتربة في يده وهو يبكي فقال:
«يا عائشة إن جبرئيل أخبرني أن ابني حسيناً مقتول في أرض الطف، وأن اُمتي ستفتن بعدي».
ثم خرج الى أصحابه وفيهم علي وأبو بكر وعمر وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي فبادروا إليه قائلين:
«ما يبكيك يا رسول الله؟..».
«أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل من بعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة، وأخبرني أن فيها مضجعه» [8] .
وروت السيدة أُم سلمة، قالت: كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي(صلى الله عليه وآله) في بيتي فنزل جبرئيل، فقال: يا محمد إن اُمتك تقتل ابنك هذا من بعدك ـ وأشار الى الحسين ـ فبكى رسول الله(صلى الله عليه وآله)وضمه الى صدره، وأن بيده تربة فجعل يشمّها وهو يقول: «ويح كرب وبلاء» وناولها اُم سلمة فقال لها:
«إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي ان ابني قد قُتل...».
فجعلتها اُمّ سلمة في قارورة، وجعلت تتعاهدها كل يوم وهي تقول: إن يوماً تتحولين دماً ليوم عظيم [9] .
وكثير من أمثال هذه الأحاديث رواها الثقات من علماء السنة عن النبي(صلى الله عليه وآله) في تقديسه للبقعة المباركة التي استشهد على ثراها حفيده وريحانته الإمام الحسين(عليه السلام) فأي نقص إن اتخذت من ثرى تلك البقعة تربة يسجد عليها لله تعالى وحده لا شريك له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق