*
الشيخ حكمت الرحمة
ليس
ثَمّة مَن يجهل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : مولى المتّقين ، وأمير المؤمنين
، ووارث علم النبيّين ، وخليفة رسول ربّ العالمين ، منبع الفضائل ، ومنتهى المكارم
، والقمّة الشامخة السامية التي ينحدر عنها السيل ولا يرقى إليها الطير .
فأنّى
للقلم أنْ يكتب في صفاته ، وماذا عساه يسطّر في بيان كمالاته ، وقد حارت العقول
والأفهام أمام شموخ فضائله التي ملأتْ الخافقَين ، ومكارم أخلاقه التي وسعتْ
الكونَين .
وشهد
بفضله وعلوّ مقامه العدوّ قبل الصديق ؛ لأنّ النور دائماً أقوى من الظلام ، ووهج
الحقيقة يأبى أنْ يكتمه تراكم الدخان ؛ لذا سطع نور عليٍّ عالياً يُضيء دربَ
البشريّة ويمدّها بمنهاج الرسالة المحمّديّة الخالدة ، وتسابقتْ الأقلام لتتشرّف في
تخليد هذه الشخصيّة العظيمة وتبجيلها .
قال الإمام الآجري :
(
شرّفه الله الكريم بأعلى الشرف ، سوابقه بالخير عظيمة ، ومناقبه كثيرة ، وفضله عظيم
، وخطره جليل ، وقدره نبيل ، أخو الرسول صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) ، وابن
عمّه ، وزوج فاطمة ، وأبو الحسن والحسين ، وفارس المسلمين ، ومفرّج الكرب عن رسول
الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) ، وقاتل الأقران ، الإمام العادل ،ش الزاهد
في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، المتّبع للحقّ ، المتأخّر عن الباطل ، المتعلّق
بكلّ خُلُق شريف ، الله عزّ وجل ورسوله له مُحِبَّان ، وهو لله والرسول محبّ ، الذي
لا يحبّه إلاّ مؤمن تقي ، ولا يبغضه إلاّ منافق شقي ، معـدن العقل والعلم ،
والحلم والأدب ، رضي الله عنه )
(1) .
وحيث إنّ فضائل علي ( عليه السلام )
عظيمة شهيرة تناولتْها كتب الفريقَين ؛ لذا لا نجد حاجة لسرد كلماتهم [ هنا ] .. ،
ونقدّم للقارئ بطاقة تعريف بالإمام ( عليه السلام ) :
ـ هو :
الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب (
عليه السلام ) ، أبو الحسن الهاشمي القرشي .
ـ ( وأُمّه
: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف
الهاشميّة ، وهي بنت عمّ أبي طالب ، كانت من المهاجرات )
(2) ، ( و هي أوّل هاشميّة ولدتْ هاشميّاً ، قد أسلمتْ وهاجرت )
(3) ،
( وكانت بمحلٍّ عظيم من الأعيان في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وتُوفِّيت
في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وصلّى عليها )
(4) .
عن أنس بن مالك قال :
( لمّا ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم ،
أُمّ علي ، دخل عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فجلس عند رأسها ، فقال :
رحمك الله يا أُمّي ،
كنتِ أُمّي بعد أُمّي ، تجوعين وتُشبعيني ، وتَعْرَيْن
وتكسيني ، وتمنعين نفسَك طيّباً وتطعميني ،
تُرِيْدِيْنَ بذلك وجْهَ الله والدار الآخرة ، ثمّ أمر أنْ تُغسّل
ثلاثاً ، فلمّا بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم
) بيده ، ثمّ خلع رسول الله قميصَه فألْبَسَهَا إيّاه ، وكفّنها بِبُرْدٍ فوقه ،
ثمّ دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسامة بن زيد ، وأبا أيّوب الأنصاري ، وعمر
بن الخطّاب ، وغلاماً أسود يحضرون ، فحفروا قبرَها ، فلمّا بلغوا اللحد حفره رسول
الله بيده وأخرج ترابه بيده ، فلمّا فرغ دخل رسول الله فاضطجع فيه ، فقال :
الله الذي يُحيي ويُميت وهـو حيّ لا يموت ، اغفر لأُمّي
فاطمة بنت أسد ولَقِّنْهَا حُجَّتها ، ووسّع عليها مَدْخَلَهَا ، بحقّ نبيّك
والأنبياء الذين مِن قبلي ، فإنّك أرحم الراحمين ... )
(5) .
ـ وُلد ( عليه السلام ) :
بمكّة ، في البيت الحرام ، يوم الجمعة ، الثالث عشر من رجب ، سنة ثلاثين من عام
الفيل
(6) .
قال الحاكم ووافقه الذهبي:
( فقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت
أسد ولدتْ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ، في جوف الكعبة )
(7) .
ـ كنيته :
أبو الحسن ، وكنّاه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أبا تراب
(8) ،
لمّا رآه ساجداً معفّراً وجهه في التراب ، ومِن كُناه أيضاً: أبو الحسين ، أبو
السبطين ، أبو الريحانتَين
(9) .
ـ ألقابه :
أمير المؤمنين
(10) ،
والمرتضى ، والوصي
(11) ،
وقد لقّبه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : سيّد المسلمين ، وإمـام
المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وسيّد الأوصياء ، وسيّد العرب
(12) .
ـ كان علي ( عليه السلام ) هو
الإمام والخليفة الشرعي للمسلمين بعد وفاة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله
وسلّم ) وعلى ذلك النصوص الصريحة الصحيحة في كتب الفريقَين وسيأتي التعرّض لبعضها
أثناء البحث .
ـ كان علي ( عليه السلام ) أخا
رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بالمؤاخاة ، وصهره على فاطمة سيّدة
نساء العالمين عليها السلام
(13) .
ـ كان من السابقين الأوّلين
شهد بدراً وما بعدها
(14) ،
وثبت في الصحيحَين أنّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أعطاه الراية فــي يوم خيبر
، وأخبر أنّ الفتح يكون على يديه ، وأحواله في الشجاعة وآثاره في الحروب مشهورة
(15) .
ـ اشتهرتْ مناقبُه وفضائله
وملأتْ الخافقين ، وقد صرّح أحمد بن حنبل وغيره بأنّه : ( لم يرد في حقّ أحد
من الصحابة بالأسانيد الجياد ، أكثر ممّا جاء في علي ) ، وسيأتي التعرّض لذلك بعد
قليل إنْ شاء الله .
ـ عاش بعد النبي تسعاً
وثلاثين سنة ، قضاها في الجهاد الشريف والدفاع عن حياض الشريعة ، والحفاظ على
الرسالة المحمّديّـة من الضياع .
ـ استشهد ( عليه السلام ) في
شهر رمضان ، في اليوم الحادي والعشرين منه ، سنة أربعين للهجرة ، ( 21 / رمضان /
سنة 40هـ ) وكان عمره الشريف ثلاثاً وستّين سنة ( 63 سنة )
(16) .
قتله عبد الرحمان بن ملجم المرادي ـ لعنه الله ـ وقد خرج لصلاة الفجر ليلة تسع عشرة
من شهر رمضان وهو ينادي ( الصلاة الصلاة ) في المسجد الأعظم بالكوفة ، فضربه بالسيف
على أمّ رأسه ، وقد كان ارتصده من أوّل الليـل لذلك ، وكان سيفه مسموماً ، فمكث (
عليه السلام ) يوم التاسع عشر وليلة العشرين ويومها وليلة الحادي والعشرين إلى نحو
الثلث من الليل ، ثمّ قضى نحبه ( عليه السلام )
(17)
.
ـ نصّ النبي في الصحيح من حديثه
على أنّ عبد الرحمان بن ملجم المرادي قاتل علي بن أبي طالب هو أشقى الناس .
قال السيوطي :
( وأخرج أحمد والحاكم بسند صحيح عن
عمّار بن ياسر أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قال لعلي :
( أشقى الناس رجلان ، أُحَيْمِر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا علي على هذه
ـ يعني قَرْنه ـ حتّى تبتلّ منه هذه من الدم
ـ يعني لحيته ـ ) )
(18) .
والحديث صحّحه الحاكم ووافقه الذهبي
(19) ،
وكذا صحّحه الألباني في ( صحيح الجامع الصغير )
(20) ،
وفي ( الصحيحة )
(21) ،
مضافاً لتصحيح السيوطي المتقدّم .
ـ دُفن ( عليه السلام ) في
النجف الأشرف ، وقبره معلوم معروف ، تتّجه إليه الألوف المؤلّفة لزيارته والتوسّل
إلى الله به .
ــــــــــــــــــــ
(1) نقلها المحقّق آل
زهوي في مقدّمته على كتاب : خصائص الإمام علي للنسائي : عن كتاب : الشريعة : 3 /
119 . (2) تاريخ الإسلام للذهبي : حوادث وفيّات ( 11 ـ 40هـ ) عهد الخلفاء الراشدين : 621 ، دار الكتاب العربي .
(3) تاريخ الخلفاء للسيوطي : 128 ، دار الكتاب العربي .
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 108 ، دار المعرفة .
(5) المعجم الكبير للطبراني : 24 / 351 ، دار إحياء التراث العربي .
(6) الإرشاد للمفيد : 1 / 5 ، مؤسّسة آل البيت .
(7) المستدرك على الصحيحين وبهامشه ( تلخيص المستدرك ) للذهبي : 3 / 483 ، دار المعرفة .
(8) انظر : تاريخ الخلفاء للسيوطي : 128 ، دار الكتاب العربي .
(9) انظر : إعلام الورى للطبرسي : 1 / 307 ، مؤسّسة آل البيت .
(10) تاريخ الإسلام للذهبي : حوادث ( 11 ـ 40 هـ ) عهد الخلفاء الراشدين : 621 ، دار الكتاب العربي .
(11) مطالب السؤول لمحمّد بن طلحة الشافعي : 1 / 59 ، مؤسّسة أُمّ القرى .
(12) إعلام الورى للطبرسي : 1 / 307 ، مؤسّسة آل البيت .
(13) تاريخ الخلفاء للسيوطي : 128 ، دار الكتاب العربي .
(14) تاريخ الإسلام للذهبي : حوادث ( 11 ـ 40 هـ ) عهد الخلفاء الراشدين : 622 ، دار الكتاب العربي .
(15) تاريخ الخلفاء للسيوطي : 128 ، دار الكتاب العربي .
(16) أصول الكافي للكليني : 1 / 524 ، دار التعارف للمطبوعات ، وإعلام الورى للطبرسي : 1/ 309 ، مؤسّسة آل البيت .
(17) إعلام الورى للطبرسي : 1 / 309 ، مؤسّسة آل البيت .
(18) تاريخ الخلفاء للسيوطي : 134 ، دار الكتاب العربي .
(19) المستدرك على الصحيحين وبهامشه تلخيص المستدرك للذهبي: 3 / 141 ، دار المعرفة .
(20) صحيح الجامع الصغير: 1 / 505 ، المكتب الإسلامي .
(21) سلسلة الأحاديث الصحيحة: 4 / 324 ـ 325 ، حديث رقم ( 1743 ) ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ، الرياض .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق