وقفة مع المنكرين
اتّضح مما
سبق أن المسألة المهدوية مسألة عقائدية قبل أن تكون تاريخية، وأن الدليل
عليها عقائدي قبل أن يكون تاريخياً، واتّضح أيضاً عدد من الأدلّة التاريخية
الدالة عليه، واتّضح أيضاً أن قضية سرية غيبية، كقضية الإمام المهدي(عليه
السلام)تستلزم بطبعها وجود المنكرين لها، فإن الذي يختفي عن أنظار الناس
لغرض من الأغراض، يقصد من ذلك أن لا يراه أحد من الناس، بحيث إذا سُئل
الناس عنه قالوا: لم نره، حتى لو كانوا من أقرب المقربين إليه، وذكرنا أن
انكار مثل هؤلاء في قضية مخفية لا يصح دليلاً على عدم الوجود، وهذه هي
المفارقة الأساسية التي وقع فيها منكروا ولادة ووجود الإمام المهدي(عليه
السلام)، فانّهم ذهبوا يفتشون في التاريخ عن شواهد من هذا القبيل ، فلما
عثروا على شيء منها اعتبروه دليلاً على عدم ولادة ووجود الإمام المهدي(عليه
السلام)، مثل اختلاف الشيعة في زمن الولادة وفي اسم الإمام، وشهادة جعفر
الكذاب عم الإمام المهدي بأن أخاه مات ولم يعقّب.
ومناقشتنا الأساسية مع هؤلاء أن المنهج التاريخي صالح للتحكيم في مسائل محسوسة تقع بكاملها تحت نظر الرواة والمؤرخين، مثل واقعة صفين، وواقعة كربلاء... الخ، وليس صالحاً للتحكيم في مسائل غيبية عقائدية في جوهرها، ولها شعاع محسوس عند أفراد مُنتخبين بحيث لو سُئل عامة الناس عنها لأنكروها. فكيف تجعلون إنكار عامة الناس دليلاً على انعدام قضية يؤمن أصحابها سلفاً بأنها ليست قابلة للمشاهدة الحسيّة، إلاّ من قبل أفراد منتخبين؟
إن على من يريد مناقشة المسألة المهدوية أن يبدأ معها من بدايتها العقائدية، ولا يبدأ معها من ذيولها التاريخية، لأن القضية السرية المكتومة بنحو مقصود، عن أعين أقرب المقرّبين لا يمتنع عليها ظهور اختلافات فيها، من قبيل اختلاف زمن ولادة الإمام، واختلاف اسم اُم الإمام، ولا يضرها شهادة كشهادة جعفر الكذاب، لأن الجواب الطبيعي في مثل هذه الحالة أن يقال: إن الاختلاف في سنة الولادة، واسم اُم الإمام، كان ظاهرة طبيعية ناشئة من إصرار الإمام الحسن العسكري على اخفاء تفاصيل القضية إخفاءً تاماً عن أعين أقرب المقربين ، تحرزاً من وصول النبأ الى السلطة العباسية، كما أن شهادة جعفر الكذاب بأن أخاه مات ولم يعقّب كانت من هذا القبيل، حيث أراد الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) أن يخفي مولوده على أخيه ويظهر الأمر أمامه كما لو لم يكن للإمام(عليه السلام) نسل من بعده وكان هذا السلوك من قبل الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) تجاه أخيه منطقياً حتى لو لم يكن أخوه كذّاباً مشهوداً عليه بالفسق، كيف وجعفر الكذّاب مشهود عليه بذلك[45].
ـــــــــــــــ
[1] راجع معجم أحاديث الإمام المهدي: ج1 أحاديث النبي(صلى الله عليه وآله) .
[2] مسند الإمام أحمد: 1/84 ح 646 وابن أبي شيبة: 8/678، كتاب 40 باب 2 ح 190، وابن ماجة ونعيم بن حماد في الفتن عن علي(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «المهدي منّا أهل البيت يُصلحه الله في ليلة».
راجع: سنن ابن ماجة: 2 / 1367 ح 4085، والحاوي للفتاوي، السيوطي: 2/ 213 و215 وفيه، أيضاً: أخرج أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود، عن علي، عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: «لو لم يبق من الدهر إلاّ يومٌ لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً»، وراجع: صحيح سنن المصطفى: 2/ 207.
وراجع: معجم أحاديث المهدي: 1/ 147 وما بعدها ، إذ ينقل أحاديث كثيرة عن الصحاح والمسانيد في هذا المعنى. وراجع موسوعة الإمام المهدي / ترتيب مهدي فقيه إيماني، الجزء الأول،وفيها نُقول مصوّرة عن عشرات الكتب لعلماء السنّة ومحدّثيهم في المهدي وصفاته وما يتعلق به، وفيها نسخة مصورة عن محاضرة الشيخ العباد حول ما جاء من الأحاديث والآثار في المهدي(عليه السلام) .
[3] الحاوي للفتاوي، السيوطي جلال الدين: 2/ 214، قال: وأخرج أبو داود وابن ماجة والطبراني والحاكم عن اُمّ سلمة قالت: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة». وراجع صحيح سنن المصطفى لأبي داود: 2/ 208، وسنن ابن ماجة: 2/1368 ، ح 4086 .
[4] حديث المهدي من ذرية الحسين(عليه السلام) كما في المصادر الآتية على ما نقل في معجم أحاديث المهدي وهي: الأربعون حديثاً لأبي نعيم الأصفهاني كما في عقد الدرر للمقدسي الشافعي، وأخرجه الطبراني في الأوسط على ما في المنار المنيف لابن القيم، وفي السيرة الحلبية: 1/ 193، وفي القول المختصر لابن حجر الهيثمي. راجع منتخب الأثر للشيخ لطف الله الصافي في ما نقله من كتب الشيعة. وراجع دلائل ضعف الرواية التي تقول بأ نّه من ولد الإمام الحسن(عليه السلام) كتاب السيد العميدي دفاع عن الكافي: 1 / 296 .
[5] راجع الرواية التي تنص على أ نّه التاسع من ولد الحسين(عليه السلام) في: ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي: 492، وفي مقتل الإمام الحسين للخوارزمي: 1/ 196، وفي فرائد السمطين للجويني الشافعي: 2/ 310 ـ 315 الأحاديث من 561 ـ 569، وراجع منتخب الأثر للعلاّمة الشيخ الصافي إذ خرّجها من طرق الفريقين .
[6] حديث «الخلفاء بعدي اثنا عشر كلهم من قريش» أو «لا يزال هذا الدين قائماً ما وليه اثنا عشر كلهم من قريش».
هذا الحديث متواتر، روته الصحاح والمسانيد بطرق متعددة وإن اختلف في متنه قليلاً، نعم، اختلفوا في تأويله واضطربوا. راجع: صحيح البخاري: 9/ 101 كتاب الأحكام ـ باب الاستخلاف، صحيح مسلم: 6/ 4 كتاب الإمارة باب الاستخلاف، مسند أحمد: 5/ 90، 93، 97.
[7] راجع الغيبة الكبرى للسيد محمد الصدر: 272 وما بعدها.
[8] راجع التاج الجامع للاُصول: 3/ 40 قال: رواه الشيخان والترمذي، وراجع في تحقيق الحديث وطرقه وأسانيده كتاب الإمام المهدي(عليه السلام) ـ علي محمد علي دخيل.
[9] صحيح البخاري / المجلد الثالث: 9/ 101، كتاب الأحكام ـ باب الاستخلاف، طبعة دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
[10 و 11 و 12] راجع: التاج الجامع للاُصول: 3/40، قال تعقيباً على الحديث: رواه الشيخان والترمذي، وفي الهامش قال: رواه أبو داود في كتاب المهدي بلفظ: «لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة...»، وراجع سنن أبي داود: 2/ 207.
[13] مسند الإمام أحمد: 6 / 99، ح 20359 .
[14] المستدرك على الصحيحين: 3/ 618.
[15] إشارة الى قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى).. النجم: 3 ـ 4.
[16] تقدم تخريج الحديث.
[17] اضطرب العلماء في تأويله بعد اطباقهم على صحته، وما أوردوه من مصاديق لا يمكن قبولها، بل إن بعضها غير معقول تماماً كإدخالهم يزيد بن معاوية المجاهر بالفسق، المحكوم بالمروق والكفر أو من هو على شاكلته.
[18] بحث حول المهدي للسيد الشهيدالصدر(قدس سره): 105 ـ 107 بتحقيق الدكتور عبدالجبار شرارة.
[19] صحيح مسلم: 6 /3 كتاب الإمارة باب الناس تبع لقريش.
[20] راجع صحيح البخاري 4: 164 ـ كتاب الأحكام، باب الاستخلاف، مسند أحمد: 6/94، الأحاديث 325، 20366، 20367، 20416، 20443، 20503، 20534 ، سنن أبي داود 4: 106 / 4279 ـ 4280، المعجم الكبير، الطبراني: 2/ 238 / 1996، سنن الترمذي: 4/ 501، مستدرك الحاكم: 3/ 618، حلية الأولياء، أبو نعيم: 4/ 333، فتح الباري: 13/ 211، صحيح مسلم بشرح النووي: 12/ 201، البداية والنهاية، ابن كثير: 1/ 153، تفسير ابن كثير: 2/ 24 ـ في تفسير الآية 12 من سورة المائدة، كتاب السلوك في دول الملوك، المقريزي: 1/ 13 ـ 15 من القسم الأول، شرح الحافظ ابن قيم الجوزية على سنن أبي داود: 11/ 363 ، شرح الحديث 4259، شرح العقيدة الطحاوية: 2/ 736، الحاوي للفتاوى، السيوطي: 2/ 85، عون المعبود شرح سنن أبي داود، العظيم آبادي: 11/ 362، شرح الحديث 4259، مشكاة المصابيح، التبريزي: 3/ 327 ، 5983، السلسلة الصحيحة، الألباني حديث رقم: 376، كنز العمال: 12/ 32 ، 33848 و 12/ 33 / 33858 و 12/ 34/33861. كما أخرج هذا الحديث محدّثو الشيعة أيضاً نذكر منهم الصدوق في كمال الدين 1: 272. والخصال 2: 469 و 475، وقد تابع طرق الحديث ورواته من الصحابة في إحقاق الحق: 13/ 1 ـ 50.
[21] تفسير القرآن الكريم، ابن كثير: 2 / 34 ـ في تفسير الآية 12 من سورة المائدة.
[22] شرح العقيدة الطحاوية، القاضي الدمشقي: 2/ 736.
[23] عون المعبود في شرح سنن أبي داود: 11/ 246 شرح الحديث 427، كتاب المهدي ط دار الكتب العلمية.
[24] عون المعبود في شرح سنن أبي داود: 11/ 245 .
[25] عون المعبود في شرح سنن أبي داود: 11/ 244 .
[26] السلوك لمعرفة دول الملوك: 1 / 13 ـ 15 القسم الأول.
[27] الحاوي للفتاوي: 2/85.
[28] كنز العمال: 12/ 34 ح33861، أخرجه ابن النجار، عن أنس .
[29] كنز العمال : 12 / 32، حديث 33848.
[30] راجع الغدير للعلاّمة الأميني: 1/ 26 ـ 27، فقد ذكر ذلك مخرجاً عن كتب أهل السنّة.
[31] فرائد السمطين: 2/ 313، ح 564.
[32] الغدير والمعارضون، السيد جعفر مرتضى العاملي: 70 ـ 72 .
[33] ينابيع المودّة: 3 / 104 باب 77 .
[34] اُصول الكافي: 1/ 328 ، كتاب الحجّة باب الإشارة والنص الى صاحب الدار .
[35] اُصول الكافي: 1/ 330 ، كتاب الحجة، باب تسمية من رآه(عليه السلام) .
[36] كمال الدين: 2/ 424 ، باب 42 .
[37] من هو المهدي، أبو طالب تجليل التبريزي: 460 ـ 506 .
[38] كمال الدين: 2 / 442 باب 43، وبحار الأنوار: 52 / 30 باب 26.
[39] الإرشاد، الشيخ المفيد: 2/ 336.
[40] دفاع عن الكليني: 1 / 567 ـ 568 لحسن هاشم ثامر العميدي.
[41] إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب (عُجِّلَ فرجه) الشيخ علي اليزدي الحائري: 1/ 321 ـ 440.
[42] المهديّ المنتظر في نهج البلاغة / الشيخ مهدي فقيه إيماني: 16 ـ 30.
[43] الإمام الثاني عشر، السيد محمد سعيد الموسوي: 27 ـ 70 وقد استدرك عليه محقق الكتاب ثلاثين رجلاً من أهل السنّة كما في هامش المصدر: 72 ـ 89 ، المهديّ الموعود المنتظر عند أهل السنّة والإمامية، الشيخ نجم الدين العسكري: 1/ 220 ـ 226 .
[44] دفاع عن الكافي: 1/ 568 .
[45] انظر اُصول الكافي: 1 / 421 ، كتاب الحجّة، باب مولد أبي محمد الحسن بن ؤعلي(عليه السلام)، كمال الدين: 1/40 ، مقدمة المصنف،، الإرشاد: 2/321، إعلام الورى بأعلام الهدى، الفضل بن الحسن الطبري: 357، انظر كذلك كمال الدين: 2 / 475 ، باب 43 من شاهد القائم (عليه السلام) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق