نص الشبهة:
السؤال : ما
هو المقصود بالصلاة على النبيّ ؟ هل هي فعلاً أن نقول : اللهم صلّ على
محمد وآل محمّد ؟ لقد بحثت في هذا الموضوع كثيراً ، ولم أجد جواباً مقنعاً
لمعنى الدعاء للصلاة على النبي ( غير أنّ ثوابها عظيم ) . مع أنّ الدعاء
للصلاة على النبي ( بغضّ النظر عن المعنى ) يبدو أنه ليس في محلّه بعد أن
أخبرتنا الآية بأنّ الله يصلّي عليه . ولكم منّا جزيل التقدير والاحترام .
الجواب:
الجواب : لقد تعرّضنا في الدروس التفسيريّة الأسبوعية لبحث هذا الموضوع ، ويمكن أن أوجز الموضوع كالآتي :
لقد تحدّث التراث الإسلامي عن
الصلاة في اللغة ، وأنّها بمعنى الدعاء ، وصار هذا الأمر مشتهراً جدّاً ،
وقالوا بأنّ أصل الكلمة بمعنى الدعاء لكنّها تحوّلت ـ عندما جاء الإسلام ـ
إلى معنى خاص ، وهو الصلوات التي نمارسها يوميّاً ، ووجهة النظر الراجحة
عندي هي لو أخذنا كلمة الصلاة في الجذر اللغوي فهي لا تعني الدعاء ، بل
الدعاء أحد مصاديق الصلاة ، وسوف أوضح ذلك قريباً باختصارٍ شديد .
وعلى أساس الفهم المدرسي لكلمة
الصلاة بمعنى الدعاء ، أو الفهم البديل عنه ، اختلفوا في معنى الصلاة على
النبيّ ، والتي وردت في القرآن الكريم 1 ، وظهرت محاولات تفسيريّة وتحليليّة عدّة أبرزها :
المحاولة التفسيريّة الأولى :
وهي من أشهر المحاولات ، وهي ترى أنّ الصلاة بمعنى الدعاء ، فصلاتنا على النبي بمعنى الدعاء له .
وقد واجهت هذه المحاولة التفسيرية مشكلة مع صدر الآية الكريمة : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ... ﴾ 2
، فإذا كانت الصلاة على النبيّ بمعنى الدعاء فما معنى أن يصلّي الله على
النبيّ؟! فهل الله يدعو غيره كما نحن ندعوه بقولنا : اللهم صلّ على محمّد
وآل محمّد؟!
ومن هنا قال أنصار هذه المحاولة
التفسيريّة بأنّ استخدام الصلاة على النبي مسندةً إلى الله في صدر الآية
هو استخدامٌ مجازي ؛ ويراد منه رحمة الله وعنايته ومغفرته وتزكيته للنبيّ ،
وقد ورد هذا التفسير في بعض الروايات أيضاً ، فيصبح المعنى هكذا : إنّ
الله يرحم النبي فتوجّهوا أنتم بالدعاء لله تعالى أن يرحم النبيّ .
وهذه المحاولة التفسيريّة جيّدة
، لولا أنّها تعاني من مشكلة عدم انسجام صدر الآية مع ذيلها ، فأنت تقول
لشخص : إنّني وأصدقائي نمارس الرياضة فمارس أنت الرياضة ، وهنا من الواضح
أنّك تدعوه لما تفعله أنت ، لا أنّك تدعوه لفعلٍ آخر غير فعلك ، مستخدماً
التعبير نفسه ، فالآية تقول بأنّ الله يصلّي وملائكته على النبي ، فهلمّوا
أيها الناس لتصلّوا عليه أيضاً ، أي لتفعلوا نفس الفعل الذي يفعله الله
والملائكة ، فافتراض استخدام كلمة (الصلاة) في آية واحدة ، مرّةً بنحو
المعنى الحقيقي وهو الدعاء ، ومرّة أخرى بنحو المعنى المجازي وهو فعل
الرحمة والمغفرة والتزكية ـ ضمن سياق من هذا النوع ـ يبدو يعاني من شيء من
التنافر أو عدم الوضوح والانسجام ، وهذا ما أحسستم أنتم به أيضاً كما ظهر
من سؤالكم .
ولعلّ ما يؤيد ذلك ـ ولا نزعم
أنّه دليل قاطع ـ وينفي احتمال الدعاء ، أنّه لو كانت الصلاة بمعنى الدعاء
فما معنى تركيب (الصلاة عليه) إلا أن يكون بمعنى الدعاء عليه ، وهو مناقض
للتفسير المراد من هذه الكلمة ، ما لم نفسّر الكلمة اختصاراً لجملة :
(اللهم صلّ على محمد) ، فاُتي بـ (عليه) للإشارة إلى تركيب هذا الدعاء ،
ليس إلا . .
المحاولة التفسيرية الثانية :
وهي ترى أنّ الصلاة في معناها
اللغوي تدلّ على ما يخبر عن محبّة الخير للغير ، أو عن تعظيم الغير ، فكلّ
ما يُخبر عن محبّة الخير للغير أو تعظيمه ، فهو صلاة عليه ، ومن هنا كان
الدعاء من أشهر معاني الصلاة؛ لأنّ الدعاء يخبرنا عن محبّتك للشخص الذي
تدعو له ، فأصل الصلاة من الثناء الجميل وإبراز الخير للغير ، ولهذا تشمل
في اللغة التحية ، فلو حيّيت شخصاً قالت العرب بأنّك صلّيت عليه ، ولو مدحت
شخصاً قالت العرب بأنّك صلّيت عليه؛ لأنّك أحببت له الخير وأبديت له ذلك ،
أو لأنّك عظّمته .
وبناءً على هذه المحاولة
التفسيريّة ، يصبح معنى الآية على الشكل التالي : إنّ الله وملائكته يبرزون
حبّ الخير للنبي ، فتعالوا أيّها الناس لتبرزوا حبّكم الخيرَ للنبيّ
وسلامته ، فتمجّدوه وتفضّلوه وترسلوا له الدعاء ، وغير ذلك ، أو إنّ الله
وملائكته يعظّمون ويبجّلون هذا النبي فهلمّوا أنتم لتعظيمه وتبجيله ، فيصبح
الدعاء مصداقاً من مصاديق إبراز محبّة الخير للنبي ، أو لتعظيمه ، لا أنّه
هو معنى الصلاة على النبيّ .
وهذه المحاولة ممتازة ، وترفع
الإشكاليّة التي واجهتها المحاولة السابقة ، لكنّها تحتاج لإضافة بسيطة
تتعلّق بتفسير الجذر اللغوي لكلمة (صلاة) ، والتمييز بينها في استخداماتها
المتعدّدة ، وسوف أشير لبعض ما يطرح في هذا السياق قريباً بعون الله .
المحاولة التفسيريّة الثالثة :
وهو ما ذكره غير واحدٍ من
المفسّرين ، منهم العلامة الطباطبائي ، إذ قالوا بأنّ الصلاة في أصل اللغة
تعني الانعطاف ، فكلمة : صلّى عليه ، أي انعطف نحوه ، فالله ينعطف نحو
العباد ويتوجّه إليهم برحمتهم ومحبّتهم والعناية بهم واللطف بحالهم ،
والعباد أيضاً ينعطفون نحو بعضهم بعضاً بالتحيّة والسلام والدعاء والمدح
والثناء والشكر والرحمة وتقديم العون وغير ذلك ، وبهذا يصبح معنى الآية
الكريمة كالتالي : إنّ الله وملائكته يعطفون نظرهم نحو رسول الله فاعطفوا
أنتم نظركم إليه .
وهذه المحاولة كالتي سبقتها ، ممتازة ، ولكن تحتاج إلى تكميل في تحليل الجذر اللغوي للكلمة ، وإلا بدت وكأنّها مجرّد ادّعاء .
المحاولة التفسيريّة الرابعة :
ما يُطرح بوصفه احتمالاً
تحليليّاً لغويّاً ، وقبل أن أوضحه عليّ أن أوضح أنّ الباحث اللغوي يشتغل
على تحليل الجذر الذي أتت منه الاستخدامات اللغوية لتصريفات الكلمة
وتركيباتها ، لا أنّه يتصوّر أنّ الكلمة لها عشرات المعاني لأنّه وجد العرب
تستخدمها في عشرات المواضع ، بل هو جذر أو جذرين أو ثلاثة نشأت منهما
التصاريف التي تقوم على التشبيهات أو المقاربات أو غيرها ، وهذا ما كان
يفعله ابن فارس صاحب معجم مقاييس اللغة ، وفعله السيد المصطفوي في كتاب
(التحقيق) المشهور ، فمن يكتشف الأصل اللغوي أو الأصول اللغويّة للكلمة
يفهم حينئذٍ استخداماتها بطريقة أفضل .
وهنا يمكنني القول بأنّ علماء
اللغة اختلفوا واضطربوا في جذر كلمة الصلاة بين من قال بأنّه (ص ـ ل ـ ي)
ومن قال بأنّه (ص ـ ل ـ و) ، فعلى التقدير الأوّل يمكن توحيد أغلب
استعمالات الكلمة ، بخلافه على التقدير الثاني ، ولا نريد أن نخوض في البحث
اللغوي هنا وأيّ من التقديرين هو الأرجح ، لكن إذا اخترنا الجذر الأوّل ،
وافترضنا أنّه صحيح ، فإنّه قد يفسّر لنا مجمل استعمالات هذه الكلمة
وأمثالها في اللغة العربيّة ، فهذا الجذر يعني اتصال شيئين ببعضهما
وتلازمهما وتحاثّهما ، ومنه قيل في معنى الصلاة : إنّ أصلها بمعنى اللزوم ،
كما ذهب إليه الزجاج ، ومنه قيل للفرس الثاني بأنّه المصلى ، أي التالي
للفرس الأوّل والمتصل به بلا فاصل فرسٍ آخر بينهما ، (طبعاً هناك مناقشات
في الجذر البابلي أو الآرامي أو العبري لهذه الكلمة ، وأنّه انتقل إلى
العربيّة) ، فيرجع الجذر إلى مفهوم الوصل والتصلية ، ومن هنا نقول : تصلاه
النار ، أي تمسّه وتتصل به ، وبناء عليه يُفترض أنّه لم يوفق من طرح أصلين
لهذه الكلمة ، أصل الصلاة بمعنى العبادة ، وأصل الصلاة بمعنى التصلية وما
يرتبط بالنار؛ لأنّه ميّز بين الجذر اليائي والواوي هنا ، فإذا اخترنا وحدة
الجذر وأنّه اليائي ، فسيصبح من الأرجح أنّ الأصل واحد ، وهو الوصل
والاتصال ، واُلبست التصاريف والإضافات التركيبيّة له ، والتشديد في (صلّى)
لإفادة الربط؛ فكأنّه بالصلاة وصل شيئاً بشيء آخر وجعلهما يتصلان .
وإذا وحّدنا في التحليل اللغوي
كلّ استخدام (ص ـ ل ـ ي) ، بهذه الطريقة ، فسوف تعني كلمة (الصلاة) في
دلالتها اللغوية العامّة حصول اتصال بين شخصين أو طرفين . وهنا نأتي لتطبيق
هذا المعنى اللغوي العام على تركيبتها التي تكون من خلال تصريفات الفعل
تارةً أو الإضافات التي تلحق الفعل مثل : (صلّى إلى) و (صلّى على) وغير ذلك
تارةً أخرى .
فإذا أتينا إلى تعبير : (صلّى
له) ، كان معنى ذلك أنّه فَعَلَ فِعْلَ الوصلِ والاتصال ، وكان ذلك لأجل
الآخر ، فالآخر هو غاية الفعل وطرفه وهدفه .
وإذا أتينا إلى تعبير : (صلّى
عليه) ، كان المعنى اتصل به لكن كان الاتصال نازلاً على الآخر ، فإضافة
(على) تشير إلى صبّ الصلة على الآخر ، بينما (صلّى له) ، تشير إلى تساوي
الطرفين أو كون الطرف الآخر أعلى من الطرف الأوّل ، وكون الغاية هو الآخر ،
ويكون الفرق أنّه في (صلّى له) : أي جعل الصلة مقدَّمةً له وهو غايتها ،
تماماً كتقديمك هديّةً لشخص ، فأنت تصله أو تحقّق الصلة به وله ، أمّا في
(صلّى عليه) فأنت تجعل صلتك نازلةً عليه ، مثل الصدقة تُعطى للفقير .
ومن هنا ، فعندما نربط كلمة
(الصلاة) بكونها فعلاً صدر منّا تجاه الله لنتقرّب نحن به إلى الطرف الآخر
ونستفيد نحن من هذه القربة ، كان المعنى (صلّى له وإليه) ، فأنا حقّقت
الاتصال لأجله ولغايته ، وعندما يتصل هذا المعنى بشأن عبادي فسوف يدلّ على
مطلق الطقس العبادي الذي يكون لأجل الاتصال بالله تعالى ، ومن هنا فكلمة
(الصلاة) في اللغة عندما ترتبط بالله تعالى من طرف العبد لا تعني الصلاة
الإسلاميّة خاصّة ولا تعني الدعاء ، بل تعني مطلق الفعل الطقسي الرمزي
العبادي الذي يهدف للاتصال بما هو أعلى ، بهدف التقرّب إليه وكسب وُدّه
واعتباره غاية لذلك ، لا بهدف إنزال الخير عليه ، ومن هنا استخدم القرآن
كلمة (الصلاة) في السور المكيّة والمدنية معاً ، دون أن تعني الكلمة حصول
انتقال لغوي ، بل استخدمها بمعناها الحقيقي في جميع الديانات ، ولهذا أنت
تقول : المسيحي يصلّي في الكنيسة ، ولا تقصد بذلك معنى مجازياً ، بل هو
معنى حقيقي ، والعرب كانت تستخدم الصلاة قبل الإسلام بهذا المعنى على كلّ
فعل عبادي طقسي رمزي له أداء بدني عادةً ، والقرآن استخدم الكلمة بهذا
المعنى عندما أطلقها على الأنبياء السابقين .
أمّا (الصلاة على) فهي تنزيل
الرحمة والخير والبركة أو تنزيل إبرازهما أو تنزيل العطف ـ ما شئت فعبّر ـ
على شخص آخر ، فعندما يصلّي الله على النبي فهو ينزل خيره عليه ، وكذلك
عندما يصلّي الملائكة فهم ينزلون الخير على محمّد ، أمّا عندما يصلّي
المؤمنون على النبي ، فقد استصعب العلماء أن يكون ذلك بنفس المعنى ، ولهذا
افترضوا أنّه دعاء لينزل الله خيره على النبي ، مع أنّه لا ضرورة لذلك ، بل
نحن أيضاً نرسل له الخير ، تعبيراً عن الشكر وأقلّ الجزاء لما فعل ،
عرفاناً منّا بجميله ، فكلّ ذكر له وإحياء لأمره ودعاء له ورفع اسمه وذكره
في الأذان والإقامة والتشهّد ، وبيان فضائله ومحاسنه ، ونشر دينه وتعاليمه ،
وإلقاء السلام عليه ، والاهتمام به ، وحسن الخلق معه ، ذلك كلّه هو صلاةٌ
على النبي ، وليست الصلاة المعروفة اليوم إلا مصداقاً بارزاً من مصاديق
صلتنا للنبي ، فنحن نتوجّه بالدعاء لله أن ينزل عليه خيره ، وبنفس دعائنا
هذا نحن نقدّم هديّةً للنبيّ يستفيد هو منها ، فصلاة المؤمنين على النبي ـ
مثل شكره وذكره ورفع اسمه والدعاء له وغير ذلك ـ هو عطاء وخير يصل النبي
ويقدّمه المؤمنون له ولاسمه في الدنيا ، فكلّ سلام على النبي وكلّ ذكر له
بالخير وكلّ شكر له على جهوده ، وكلّ نشرٍ لمحاسنه وفضائله ، وكلّ إبرازٍ
لمحبّته ، وكلّ دعاء له ، وكلّ حفظ له في أهل بيته ، وغير ذلك ، هو صلاة
وعطاء نقدّمه نحن للنبيّ تعبيراً عن حبّنا وشكرنا واحترامنا له ، فنحن ممّن
يُبقي ذكره في الأرض بأمرٍ من الله ، ومن خلال المؤمنين يبقى ذكره وتبقى
مكانته عاليةً بين البشر ، فهي هدية نتقدّم بها إليه .
وبهذا تصبح هذه المحاولة
التفسيرية مكمّلةً للمحاولة التفسيرية الثانية والثالثة المتقدّمتين ،
فإبراز المحبّة أو التعظيم إنمّا سمّي صلاةً؛ لأنّه صلة نقدّمها له وعطاء
نبرزه أمامه ، عرفاناً بجميله ، والانعطاف إنّما سمي صلاةً لأنّك بانعطافك
نحو الشخص تلقي عليه اهتمامك وسلامك وعنايتك ، فالتفاسير الثلاثة الأخيرة
كلّها صحيحة لو التأمت لتكوّن تفسيراً حاسماً ، وبه يتمّ تفسير مختلف
الاستخدامات اللغوية لكلمة الصلاة عند العرب إلا ما شذّ ، ويكون معنى الآية
حينئذٍ كالتالي : إنّ الله وملائكته يقدّمون عنايتهم وصلتهم وعطاءهم
ومحبّتهم ورحمتهم وخدماتهم للنبيّ ، فهلمّوا أيها الناس ويا من تؤمنون
بالله ورسوله لكي تقدّموا أنتم أيضاً كلّ صلة للنبيّ وعطاء ومحبّة ،
فاذكروه ، واعلوا اسمه ، وارفعوا دعوته ، وأعلنوا الشكر الدائم له ،
وتوجّهوا بالدعاء إلى الله لأجله ، ومجّدوه في الأرض ، واثنوا عليه ، ولا
تقصّروا في أداء حقوقه إليه ، بأيّ شيء يمكنكم أن تقدّموه له ، وتحفظوه في
أسرته وأهل بيته وغير ذلك . ولعلّ من مؤيّدات ذلك هو الآية اللاحقة ، فقد
جاء سياق الآيات على الشكل التالي : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا * إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ 3 ، فالصلاة على النبي قد يستوحى هنا أنّها تقف في مقابل أذيّته .
أعتقد أنّ هذا المعنى ـ نتيجة
التحليل اللغوي هذا ، والمبني على فرضيّة الجذر اليائي للكلمة ـ منسجم وعام
جداً ، ويُطرح بوصفه احتمالاً لغويّاً يستحقّ التأمّل والترجيح ، وعليه ،
ستصبح الصلاة المعروفة على النبي (اللهم صلّ على محمّد) بصيغها المتعدّدة ،
مصداقاً للصلاة على النبيّ ، لكنّها ليست المصداق الحصري ، فكأنّها صارت
رمزاً موضوعاً في الشرع من رموز ذلك ، وإلا فمطلق الدعاء للنبيّ هو صلاة
عليه أيضاً ، والله العالم .
هذه أبرز الاحتمالات التفسيريّة
في موضوع صلاة الله والمؤمنين على النبيّ ، ولعلّ الراجح ـ بنظري القاصر ـ
هو التفسير المركّب من التفاسير الثلاثة الأخيرة كما أوضحنا ، لكنّ الأمر
يحتاج ـ قبل البت بالموضوع ـ لمزيد دراسة متأنّية جدّاً في التحليل اللغوي
للجذر اليائي والواوي للكلمة ، فحسمه ليس بسيطاً ، ونحن نتركه لمناسبة أخرى
.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد ،
وبارك على محمّد وآل محمّد ، وترحّم على محمّد وآل محمّد ، وتحنّن على
محمّد وآل محمّد . . كما صلّيت وباركت وترحّمت وتحنّنت على إبراهيم وآل
إبراهيم في العالمين ، إنّك حميد مجيد 4 .
- 1. سورة الاحزاب : الآية 56 .
- 2. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 56، الصفحة: 426.
- 3. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 56 و 57، الصفحة: 426.
- 4. نشرت هذه الإجابة في الموقع الرسمي لسماحة الاستاذ حيدر حب الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق