نص الشبهة:
قال
عثمان الخميس : ( وقد كانت التقية سبباً رئيسياً في الاختلافات والتناقضات
في المذهب حتى على علمائكم ) ( من القلب إلى القلب صفحة 80 ) .
الجواب:
أقول
: لقد أثبتنا بالأدلة من القرآن الكريم والسنة الشريفة وأقوال علماء أهل
السنة أنّ التقية تشريع إلهي شرّعها الله عزّ وجل في كتابه وعلى لسان نبيّه
الأكرم صلى الله عليه وآله ، فلا ضير على المسلم إذا مارسها في مواردها ،
فعمله هذا جائز شرعاً لم يرتكب فاعلها مخالفة شرعية ، بل إنّها في بعض
مواردها واجبة ، وعثمان الخميس يلمح هنا إلى الاختلاف الواقع بين فقهاء
الشيعة رحم الله الماضين منهم وأيد الباقين وأطال في أعمارهم في بعض
الروايات الصادرة عن بعض الأئمة الطاهرين عليهم السلام ، وهل أنّها صدرت
منهم في مورد التقية أم لا ، محاولاً التشنيع على الشيعة من خلال هذه
المسألة ، ومن يتتبع أقوال فقهاء الشيعة ويراجع كتبهم والروايات الخاصة
بهذا الموضوع لا يكاد يجد إلاّ روايات قليلة جداً لا تكاد أن تذكر ، فهي
ليست بكثيرة كما يحاول عثمان الخميس أن يوهم المستمع والقاريء ، والروايات
الصادرة في موارد التقية أغلبها مورد اتفاق بين هؤلاء الفقهاء في أنّها
صدرت على هذا الوجه ، وأما الروايات التي هي مورد اختلاف بينهم فكل فقيه
يتعامل معها اجتهاداً وهم مأجورون على كل حال في بذل الجهد للوصول إلى
الحقيقة حولها .
أهل السنة لديهم من الروايات المتناقضة أكثر بكثير مما عند الشيعة
ثم إن روايات الشيعة الصادرة عن الأئمة عليهم السلام الظاهر منها التباين والتناقض لا تساوي شيئاً نسبة إلى الروايات التي رواها رواة أهل السنة المسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أو إلى بعض الصحابة والتي تتناقض مع بعضها البعض ، فقل ما توجد عندهم مسألة من مسائل الفقه إلاّ وفيها حديثان أو أكثر وقولان لفقهائهم أو أكثر وغالباً ما تناقض هذه الروايات والأقوال بعضها البعض ، وأنصح القارئ بمطالعة كتب القوم الفقهية خصوصاً تلك الكتب التي تُطرح فيها آراء علمائهم الفقهية والمسائل التي هي مورد اختلاف بينهم ومنشأ اختلافهم حولها من قبيل مثلاً كتاب بداية المجتهد لابن رشد القرطبي فسيتأكد من صحة ما نقول .
محاولة عثمان الخميس التشنيع على الشيعة من خلال بعض الروايات الشيعية
كما حاول عثمان الخميس أن يشنّع على الشيعة من خلال بعض الروايات التي كان بعض الأئمة عليهم الصلاة والسلام يجيب فيها بأجوبة مختلفة لنفس المسألة الواحدة ، ونقل كلاما للعلامة الشيخ يوسف البحراني طيب الله ثراه من كتابه الحدائق الناضرة في بيان هذه المسألة ، وهي مسألة ليست بمعضلة عند الشيعة تستدعي التشنيع عليهم ، فقد بيّن الإمام الباقر عليه السلام في إحدى الروايات المأثورة عنه سبب حدوث ذلك منهم عليهم السلام وعلله بأنّه وجه من وجوه التقية حفاظاً على نفوس الأئمة عليهم السلام ونفوس شيعتهم ، فالذي دعا الأئمة عليهم السلام لاستخدام التقية بمختلف صورها في بعض الأحيان هو تعرّضهم وتعرّض شيعتهم على امتداد التاريخ للجور والظلم من قبل السلطات الحاكمة وبعض المخالفين لهم في مذهبهم في العقائد والفروع ، ولكن هذا لا يعني أنّهم عليهم السلام كانوا يتقون في كل أقوالهم وأفعالهم أو حتى في مجالسهم الخاصة التي ليس فيها سوى أصحابهم الثقات ، بل العكس هو الصحيح ، فقد دلّت الروايات على أمر الإمام الصادق عليه السلام الخواص بكتمان آرائه وأقواله التي لا توافق هوى السلطة الحاكمة ، حيث كان يدلي بها إلى العشرات بل المئات من أصحابه الثقات المأمونين ، ويأمرهم بعدم إفشائها لكائن من كان حذراً من وقوعها في أسماع العيون التي تبثها السلطة لرصد تصرّفات الإمام ، وهذا يدل على أنّ روايات التقية بمختلف صورها التي صدرت منهم عليهم السلام كانت تصدر في ظروف خاصة ما كانت لتغيب عن فطنة الفقهاء من أصحابهم عليهم السلام لاتصالهم المباشر بهم ، كما يدل ذلك أيضاً على أنّ أحاديث التقية الصادرة منهم قليلة جداً قياساً إلى ما صدر منهم من غير تقية .
التقية تنقسم حسب الأحكام التكليفية الخمسة
والتقية عند الشيعة الإمامية الإثني عشرية ليست جائزة في كل مواردها بل تنقسم حسب الأحكام التكليفية الخمسة الواجب ، المستحب ، المحرّم ، المكروه ، المباح ، فهي عندهم ليست بواجبة أو جائزة في كل حال ، قال العلامة محمد رضا المظفر رحمه الله : ( وللتقية أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهية ، وليست هي بواجبة على كلّ حال ، بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال كما إذا كان في إظهار الحقّ والتظاهر به نصرة للدين وخدمة للإسلام ، وجهاد في سبيله ، فإنّه عند ذلك ليستهان بالأموال ولا تعزّ النفوس ، وقد تحرم التقية في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة أو رواجاً للباطل أو فساداً في الدّين أو ضرراً بالغاً على المسلمين بإضلالهم أو إفشاء الظلم والجور بينهم ) 1
وقال الشيخ جعفر السبحاني : ( التقية تنقسم حسب الأحكام الخمسة فكما أنّها تجب لحفظ النفوس والأعراض والأموال فإنها تحرم إذا ترتب عليها مفسدة أعظم كهدم الدّين وخفاء الحقيقة عن الأجيال الآتية ، وتسلّط الأعداء على شؤون المسلمين وحرماتهم ومعابدهم ، ولأجل ذلك ترى أن كثيراً من أكابر الشيعة رفضوا التقية في بعض الأحيان وقدّموا أنفسهم وأرواحهم أضاحي من أجل الدّين ، فللتقية مواضع معيّنة كما أنّ للقسم المحرّم منها مواضع خاصة أيضاً ) .
ثم قال : ( إنّ التقية في جوهرها كتم ما يحذر من إظهاره حتى يزول الخطر ، فهي أفضل السبل للخلاص من البطش ولكن ذلك لا يعني أن الشيعي جبان خائر العزيمة خائف متردد الخطوات يملأ حناياه الذّل ،كلاّ إنّ للتقية حدوداً لا تتعداها فكما هي واجبة في حين ، هي حرام في حين آخر ، فالتقية أمام الحاكم الجائر كيزيد بن معاوية مثلا محرّمة ، إذ فيها الذّل والهوان ونسيان المثل والرجوع إلى الوراء ، فليست التقية في جوازها ومنعها تابعة للقوّة والضعف ، وإنّما تحددها جوازاً ومنعاً مصالح الإسلام والمسلمين ) 2
فالإمام لا تجوز عليه التقية في جميع الحالات لأن الإمامة امتداد للنبوّة فلو فرض حدوث ما لم يعلم جهته إلاّ من الإمام كان كالنبي صلى الله عليه وآله في عدم جواز التقية عليه في مثل هذا الحال ، لأنه يلزم من ذلك الإغراء بالقبيح الّذي لا يمكن تصوّر صدوره من الإمام ، فالجائز على الإمام من التقية هو ما لا يخل بالوصول إلى الحق وما كان مخلاّ فلا تجوز فيه التقية عليه والإمام المعصوم عليه السلام هو أدرى وأعلم بالموارد التي يحق له فيها استخدام التقية من غيرها 3 .
أهل السنة لديهم من الروايات المتناقضة أكثر بكثير مما عند الشيعة
ثم إن روايات الشيعة الصادرة عن الأئمة عليهم السلام الظاهر منها التباين والتناقض لا تساوي شيئاً نسبة إلى الروايات التي رواها رواة أهل السنة المسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أو إلى بعض الصحابة والتي تتناقض مع بعضها البعض ، فقل ما توجد عندهم مسألة من مسائل الفقه إلاّ وفيها حديثان أو أكثر وقولان لفقهائهم أو أكثر وغالباً ما تناقض هذه الروايات والأقوال بعضها البعض ، وأنصح القارئ بمطالعة كتب القوم الفقهية خصوصاً تلك الكتب التي تُطرح فيها آراء علمائهم الفقهية والمسائل التي هي مورد اختلاف بينهم ومنشأ اختلافهم حولها من قبيل مثلاً كتاب بداية المجتهد لابن رشد القرطبي فسيتأكد من صحة ما نقول .
محاولة عثمان الخميس التشنيع على الشيعة من خلال بعض الروايات الشيعية
كما حاول عثمان الخميس أن يشنّع على الشيعة من خلال بعض الروايات التي كان بعض الأئمة عليهم الصلاة والسلام يجيب فيها بأجوبة مختلفة لنفس المسألة الواحدة ، ونقل كلاما للعلامة الشيخ يوسف البحراني طيب الله ثراه من كتابه الحدائق الناضرة في بيان هذه المسألة ، وهي مسألة ليست بمعضلة عند الشيعة تستدعي التشنيع عليهم ، فقد بيّن الإمام الباقر عليه السلام في إحدى الروايات المأثورة عنه سبب حدوث ذلك منهم عليهم السلام وعلله بأنّه وجه من وجوه التقية حفاظاً على نفوس الأئمة عليهم السلام ونفوس شيعتهم ، فالذي دعا الأئمة عليهم السلام لاستخدام التقية بمختلف صورها في بعض الأحيان هو تعرّضهم وتعرّض شيعتهم على امتداد التاريخ للجور والظلم من قبل السلطات الحاكمة وبعض المخالفين لهم في مذهبهم في العقائد والفروع ، ولكن هذا لا يعني أنّهم عليهم السلام كانوا يتقون في كل أقوالهم وأفعالهم أو حتى في مجالسهم الخاصة التي ليس فيها سوى أصحابهم الثقات ، بل العكس هو الصحيح ، فقد دلّت الروايات على أمر الإمام الصادق عليه السلام الخواص بكتمان آرائه وأقواله التي لا توافق هوى السلطة الحاكمة ، حيث كان يدلي بها إلى العشرات بل المئات من أصحابه الثقات المأمونين ، ويأمرهم بعدم إفشائها لكائن من كان حذراً من وقوعها في أسماع العيون التي تبثها السلطة لرصد تصرّفات الإمام ، وهذا يدل على أنّ روايات التقية بمختلف صورها التي صدرت منهم عليهم السلام كانت تصدر في ظروف خاصة ما كانت لتغيب عن فطنة الفقهاء من أصحابهم عليهم السلام لاتصالهم المباشر بهم ، كما يدل ذلك أيضاً على أنّ أحاديث التقية الصادرة منهم قليلة جداً قياساً إلى ما صدر منهم من غير تقية .
التقية تنقسم حسب الأحكام التكليفية الخمسة
والتقية عند الشيعة الإمامية الإثني عشرية ليست جائزة في كل مواردها بل تنقسم حسب الأحكام التكليفية الخمسة الواجب ، المستحب ، المحرّم ، المكروه ، المباح ، فهي عندهم ليست بواجبة أو جائزة في كل حال ، قال العلامة محمد رضا المظفر رحمه الله : ( وللتقية أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهية ، وليست هي بواجبة على كلّ حال ، بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال كما إذا كان في إظهار الحقّ والتظاهر به نصرة للدين وخدمة للإسلام ، وجهاد في سبيله ، فإنّه عند ذلك ليستهان بالأموال ولا تعزّ النفوس ، وقد تحرم التقية في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة أو رواجاً للباطل أو فساداً في الدّين أو ضرراً بالغاً على المسلمين بإضلالهم أو إفشاء الظلم والجور بينهم ) 1
وقال الشيخ جعفر السبحاني : ( التقية تنقسم حسب الأحكام الخمسة فكما أنّها تجب لحفظ النفوس والأعراض والأموال فإنها تحرم إذا ترتب عليها مفسدة أعظم كهدم الدّين وخفاء الحقيقة عن الأجيال الآتية ، وتسلّط الأعداء على شؤون المسلمين وحرماتهم ومعابدهم ، ولأجل ذلك ترى أن كثيراً من أكابر الشيعة رفضوا التقية في بعض الأحيان وقدّموا أنفسهم وأرواحهم أضاحي من أجل الدّين ، فللتقية مواضع معيّنة كما أنّ للقسم المحرّم منها مواضع خاصة أيضاً ) .
ثم قال : ( إنّ التقية في جوهرها كتم ما يحذر من إظهاره حتى يزول الخطر ، فهي أفضل السبل للخلاص من البطش ولكن ذلك لا يعني أن الشيعي جبان خائر العزيمة خائف متردد الخطوات يملأ حناياه الذّل ،كلاّ إنّ للتقية حدوداً لا تتعداها فكما هي واجبة في حين ، هي حرام في حين آخر ، فالتقية أمام الحاكم الجائر كيزيد بن معاوية مثلا محرّمة ، إذ فيها الذّل والهوان ونسيان المثل والرجوع إلى الوراء ، فليست التقية في جوازها ومنعها تابعة للقوّة والضعف ، وإنّما تحددها جوازاً ومنعاً مصالح الإسلام والمسلمين ) 2
فالإمام لا تجوز عليه التقية في جميع الحالات لأن الإمامة امتداد للنبوّة فلو فرض حدوث ما لم يعلم جهته إلاّ من الإمام كان كالنبي صلى الله عليه وآله في عدم جواز التقية عليه في مثل هذا الحال ، لأنه يلزم من ذلك الإغراء بالقبيح الّذي لا يمكن تصوّر صدوره من الإمام ، فالجائز على الإمام من التقية هو ما لا يخل بالوصول إلى الحق وما كان مخلاّ فلا تجوز فيه التقية عليه والإمام المعصوم عليه السلام هو أدرى وأعلم بالموارد التي يحق له فيها استخدام التقية من غيرها 3 .
- 1. عقائد الإمامية صفحة 85 .
- 2. الاعتصام بالكتاب والسّنة للشيخ جعفر السبحاني ص 336 ـ 337 .
- 3. هذا الموضوع رَدُّ على شبهة طرحها عثمان الخميس ضمن مجموعة من الشبهات الأخرى التي أثارها ضد مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ، و قد قام سماحة الشيخ عبد الله العجمي بالرد عليها ، و هذا الرد هو أحد تلك الردود ، هذا و قد نُشرت مجموع هذه الردود في الموقع الرسمي لسماحته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق