الثلاثاء، 22 سبتمبر 2015

النقطة الثانية: هل نسخ حكم الزواج المؤقت ؟



لجأ جمعٌ من علماء مدرسة الخلفاء الى القول بنسخها لتصحيح موقف الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، فقال بعضهم: إنّها منسوخة بالقرآن، وقال آخرون: بأنها منسوخة بالسنّة ، ثم اختلف الفريقان على أقوال شتى:
أمّا دعوى النّسخ بالقرآن : فهناك قول بأن الناسخ هو قوله تعالى: ( إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فاُولئك هم العادون)[8]
لكن هاتين الآيتين مكيتان، وآية المتعة مدنية، والمتقدم لا ينسخ المتأخر.
ثم إنّ المتعة زواج، والمتمتع بها زوجة، فلا تعارض بين هاتين الآيتين وبين آية المتعة حتى يصح القول بالنسخ.
وهناك قول بأن الناسخ هو آية العدة قوله تعالى (فطلقوهن لعدتهن)[9] فإن الأمر بالعدّة في هذه الآية ينسخ حكم المتعة التي لا طلاق فيها ولا عدّة.
والجواب: إن المتعة ليست مستثناة من العدّة ، نعم استثني الطلاق فيها، ونحن إذا أثبتنا أنّ الزواج في الإسلام على قسمين : دائم ومنقطع ، تكون آية الطلاق خاصة بالدائم دون المنقطع لأن العلاقة الدائمة هي التي تحتاج إلى إعلان عن إنهاء العلاقة عند حصول سبب طارئ معين، أمّا العلاقة المؤقتة فلا تحتاج الى هذا الإعلان، وهي تنتهي بانتهاء أمدها المحدد بشكل تلقائي ، وحينئذ تكون آية الطلاق منصرفة الى الدائم، ولا نظر فيها الى المتعة حتى تكون ناسخة لها.
وهناك قول ثالث بأنها منسوخة بآية الميراث، حيث لا ميراث في المتعة .


ويرد على هذا القول الجواب السابق، كما يرد عليه أيضاً أنّ انتفاء بعض الآثار لا يدل على انتفاء الموضوع، فالزوجة الناشزة لا نفقة لها، ومع أنّ النفقة قد انتفت عنها إلاّ أنها مع ذلك تبقى زوجة وتجري عليها سائر الأحكام والآثار المختصّة بالزوجات، والكتابية إذا تزوجت من مسلم، فهي لا ترثه ومع ذلك تبقى زوجة في باقي الآثار والأحكام.
على أنّ تعدد مزاعم النسخ بنفسه دليل آخر على عدم ثبوته، ويشهد لذلك أيضاً : اختلافهم في زمن النسخ.
فقيل : إنّها نسخت ونهى النبيّ(صلى الله عليه وآله) عنها في عام خيبر.
وقيل : إن النهي جاء في عام الفتح.
وقيل : كانت مباحة ونهي عنها في غزوة تبوك .
وقيل: اُبيحت في حجة الوداع ثم نهي عنها.
وقيل: اُبيحت ثم نسخت ثم اُبيحت ثم نسخت ثم اُبيحت ثم نسخت .
وقيل : غير ذلك.[10]
والقرائن القطعية تفيد عدم النسخ، وأهمّ هذه القرائن اضطراب وتعدد ادعاءات النسخ، حتى جعل مسلم في صحيحه عنوان باب المتعة هكذا «باب نكاح المتعة وبيان أنه اُبيح ثم نسخ ثم اُبيح ثم نسخ واستقر تحريمه الى يوم القيامة».[11]
وقد أورد القرطبي في تفسيره ما قاله ابن العربي من أن النسخ تناول هذا الحكم مرتين، ثم علّق عليه بقوله: «وقال غيره ممن جمع طرق الأحاديث فيها، إنها تقتضي التحليل والتحريم سبع مرات» ثم عدد ادعاءات النسخ وقال: «هذه سبعة مواطن اُحلّت فيها المتعة ثم حرّمت»[12].
وقال ابن قيم الجوزية : «وهذا النسخ لا عهد بمثله في الشريعة البتة ولا يقع مثلها فيها»[13].
ثم ما بال هذه الادعاءات تظهر بعد انقراض عصر الصحابة؟ ولِمَ لم يستشهد بواحدة منها عمر بن الخطّاب نفسه في تحريمه للمتعة ؟ فإنه من الواضح لو كان بيده شيء منها لاستشهد به، وقد اُثر عنه أنه عارض أبا بكر في محاربته مانعي الزكاة بالأحاديث النبوية المانعة من قتال أهل الشهادتين، فلماذا لم يتمسك هنا بالسيرة النبوية الناسخة إن كان يوجد منها شيء كما يقال؟ أم أن أصحاب هذه الادعاءات أعلم بسيرة النبي(صلى الله عليه وآله) من الصحابة ومن عمر بن الخطاب نفسه؟
ولم يكن الخليفة الثاني مستغنياً عن ذلك ، بل كان في أمسّ الحاجة إليه، لأن المسلمين وعلى رأسهم الصحابة لم يتلقوا موقف الخليفة بالقبول وإنّما ردّوا عليه، بأنهم قد عملوا ذلك في عهد الرسول(صلى الله عليه وآله) وعهد أبي بكر، فلو كان هناك نسخ لظهر.
ثم إنّ هذه الادعاءات معارضة لكلام الخليفة الثاني نفسه فإنه قال: «متعتان كانتا على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنهى عنهما واُعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج»[14] فلو كان هناك شيء من النسخ لنسب لذكره ولما نسب ذلك الى نفسه.
وعليه، تكون ادعاءات النسخ معارضة لكلام الخليفة نفسه.
وحادثة اُخرى تفضح حكاية النسخ هذه، فقد روى الطبري في تاريخه في حوادث سنة ( 23 هـ ) أن عمران بن سوادة دخل على عمر ابن الخطّاب وذكر له ما يتحدث به الناس من الاُمور التي أحدثها فيهم ولم يرضوها منه، منها تحريمه المتعة، قال: «ذكروا أنك حرّمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث! قال ـ أي عمر بن الخطاب في جوابه ـ : إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أحلّها في زمان ضرورة، ثم رجع الناس الى سعة، ثم لم أعلم أحداً من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها ، فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبت»[15].
وفي هذا الحوار يؤكد الخليفة الثاني مرّة اُخرى على أن الموقف من المتعة موقف شخصي خاص به، ورأي ارتآه، وليس هناك أثر نبوي فيه.
ثم إن الاجتهاد الذي بيّنه في تحريمها في هذه المحاورة غير تام، وواضح البطلان فهو يدّعي أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) قد أحلّها في زمان ضرورة، وهذا يعني أنّها مباحة عند الضرورات ، فلماذا أطلق تحريمها ومنعها وتوعّد العقوبة عليها ولم يقيد ذلك بالضرورة؟ على أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) قد أباحها في أسفاره ، والسفر شيء والضرورة شيء آخر.
___________________________________
[8] المؤمنون : 6 ـ 7.
[9] الطلاق : 1.
[10] أحكام القرآن: 2/184 ـ 195، باب المتعة ، ط دار الكتب العلمية ، صحيح مسلم بشرح النووي: 9/179، باب نكاح المتعة، ارشاد الساري بشرح صحيح البخاري: باب 32، باب نهي رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن نكاح المتعة، أحاديث 5115، 5119.
[11] صحيح مسلم : 2 /130 طبعة دارالفكر ـ بيروت .
[12] تفسير القرطبي : 5 / 130 ـ 131 .
[13] زاد المعاد : 2 / 204 .
[14] شرح معاني الآثار: 2/ 146، أحمد بن محمد بن سلمة الأزدي.
[15] تاريخ الطبري : 5 / 32 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Disqus Shortname

Comments system

Ad Inside Post