إن أصل الاعتقاد بفكرة ظهور المنقذ الذي يمثل جوهر الفكرة المهدوية في الإسلام يعتبر ظاهرة إنسانية عامة وليس خاصاً بدين معين أو مذهب معين، وهذه الحقيقة من شأنها أن تساعد على اسقاط أربع شبهات في المسألة المهدوية في آن واحد.
فهي توضح أولاً: بطلان الشبهة القائلة باختصاص الشيعة بالقول بالمهدوية، خاصة مع ثبوت اجماع المسلمين عليه.
وتوضح ثانياً: بطلان شبهة الاُسطورة القائلة بأن المهدوية فكرة اُسطورية منتزعة من الخيال، فإن الاُسطورة خيال ساذج منتزع من واقع قبلي أو قومي أو فئوي محدود، وليست هناك اُسطورة تحضى بإجماع الأديان السماوية وغير السماوية ، وتُعبّر عن ضمير إنساني عام، ويتبناها العلماء والمفكرون والفلاسفة.
وتوضح ثالثاً: بطلان الشبهة القائلة بدور اليهود في إيجاد الفكرة المهدوية، فإذا كان مضمون الفكرة المهدوية موجوداً في كل دين حتى الأديان غير السماوية، فلماذا نستكثر على الإسلام وجوده فيه؟ فإن مقتضى العقل والمنطق أن يكون الإسلام مشتملاً على هذه الفكرة بمفهوم أوضح وأكمل، كما هو المتجسد في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام).
وحينئذ ، فمن مؤشرات الكمال في هذا الدين، وهذه المدرسة بالذات، احتواؤهما على الفكرة المهدوية، أليست الأديان تشترك في محاور عقائدية وتشريعية كثيرة كالحج، والصوم، والصلاة... إلخ، فهل أن تصريح اليهودية ـ وغيرها ـ بمثل هذه المحاور يقتضي ابتعاد الإسلام عنها؟ أم يقتضي تأكيد الإسلام عليها، وطرحها بمفهوم أكمل وأرقى؟ فهذه الشبهة تعود على أصحابها بالنقص وعلى الإسلام والتشيع بالكمال.
كما توضح رابعاً: بطلان الشبهة القائلة بأن الفكرة المهدوية وليدة ظروف الضغط السياسي التي عاشها أتباع الائمة(عليهم السلام)، فإن الخوارج واجهوا ضغطاً لا يقل عما واجهه أتباع الأئمة(عليهم السلام)ولو كانت هناك قاعدة مطردة فما أكثر المظلومين والمضطهدين الذين لم يُعرف عنهم اعتقاد بمضمون الفكرة المهدوية، وما أكثر الأفراد والجماعات التي آمنت بهذا المضمون بدون معاناة لظلم واضطهاد، ولو كان هذا الاعتقاد ناشئاً من الظلم والاضطهاد فما باله يظهر في الأجيال التالية غير المضطهدة؟
نعم، الشيء الذي يمكن الاعتقاد به هو أن عوامل الضغط والاضطهاد من شأنها أن تدفع باتجاه التمسك بالفكرة المهدوية أكثر، لا أنها تنشئ هذه الفكرة وتوجدها من حيث الأساس.
إن الدين هو التعبير الأكمل عن الحقائق الإنسانية، والإسلام هو التعبير الأكمل عن الحقائق الدينية، ومدرسة أهل البيت(عليهم السلام) هي التعبير الأكمل عن الحقائق الإسلامية.
وحينما تصرح الأديان بفكرة المنقذ العالمي فإنما تكشف ـ فضلاً عن الحقيقة الغيبية ـ عن ضمير إنساني أكيد وبنحو أكمل، وحينما يصرح الإسلام بهذه الفكرة، إنما يصرح بحقيقة دينية أكيدة وبنحو أكمل مما طرحته الأديان السابقة، وحينما يصرح أهل البيت(عليهم السلام) بهذه الفكرة فإنما يقدمون البيان الأكمل عن الحقيقة الإسلامية في هذا المضمار.
وحينئذ ، فالفرق بين المسألة المهدوية في مفهوم مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت(عليهم السلام)هو الفرق بين مدرسة تبيّن الحد الأدنى من الحقيقة ومدرسة تتصدى لبيان الحقيقة الإسلامية بحدها الأعلى، فتتصور الاُولى أن الثانية قد سلكت سبيل الغلو والتطرف، ولعل السرّ في اشتهار التشيع بالمهدوية حتى كأنها من خصائصه وليست من العقائد المجمع عليها بين المسلمين يعود الى اختصاصه بحد الكمال، وتمتع المفهوم المهدوي لديه بخصائص فريدة بها يتحقق المعنى المطلوب من المهدوية.
وهذه الخصائص تتشعب من محور واحد هو أن المهدوية في مفهوم أهل البيت(عليهم السلام)ليست نظرة مستقبلية صرفة، وليست مجرد إخبار عن مستقبل سعيد للبشرية سيكون في نهاية المطاف، كماترى ذلك مدرسة الخلفاء، وإنما هي قبل ذلك جزء لا يتجزء من عقيدة الإمامة الاثني عشرية التي قدّر لها سماوياً أن تستوعب التاريخ من لحظة وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) الى اللحظة الأخيرة من حياة البشرية، أو بتعبير آخر، هي مسألة الإمام الثاني عشر الذي بدأت إمامته منذ عام (260 هـ ) وتواصلت حتى الآن، وستتواصل حتى ظهوره في خاتمة التاريخ.
ونحن حينما نبحث في المسألة المهدوية في مفهوم أهل البيت(عليهم السلام) لابد وأن نركّز على هذا المحور العقائدي وننظر إليه تارة من زاوية الدليل والبرهان بقصد الإثبات، واُخرى من زاوية الخصائص المترتبة عليه، وثالثة من زاوية القيمة العقائدية التي ينطوي عليها، فهنا ثلاث مراحل من البحث نجعل كل مرحلة في فصل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق