الثلاثاء، 22 سبتمبر 2015

فی رحاب : السجود على التربة الحسينيّة 1




اعتبرت الشريعة الإسلامية الصلاة ركناً من أركان الدين الإسلامي، وشرّعت للصلاة صورتها المطلوبة والتي تتكوّن من أركان وأجزاء وشروط مطلوب توفّرها، لتكون الصلاة صحيحةً عند المشرّع سبحانه وتعالى .
والسجود ركن من أركان الصلاة الواجبة والمسنونة في الإسلام بلا ريب، بل هو أفضل أجزاء الصلاة وهو من أوضح مظاهر العبودية والانقياد والتذلّل من قبل المخلوق لخالقه، وبه يؤكّد المؤمن عبوديته المطلقة لله تعالى وهو الغاية القصوى للتذلّل والخضوع، ولذلك لم يرخّص الله لعباده أن يسجدوا لغيره.
ولا بُحثَ بين المسلمين جميعاً في أن مَن يُسجد له هو الله سبحانه وتعالى دون غيره، وهو من ضروريات الدين التي يكفّر منكرها ويخرج من حظيرة الإيمان .

وأما ما يجوز أن يسجد عليه، فقد اتّفق المسلمون جميعاً بمختلف مذاهبهم على صحة السجود على الأرض وترابها ، بل على أفضلية السجود على تراب الأرض، حسبما وردت به النصوص النبوية الشريفة.
وسوف نركّز البحث على استقراء النصوص الشريفة الواردة حول ما يصح عليه السجود وما لا يصح، لنرى الموقف الشرعي من السجود على الأرض وترابها أوّلاً . وحكم السجود على ما أنبتته مما لا يؤكل ولا يلبس وممّا يؤكل ويلبس ثانياً. ونكتشف من خلال هذه النصوص السُنّة من البدعة ثالثاً. وحكم السجود على التراب رابعاً وفضيلة التربة الحسينية وما تمتاز به خامساً، ومن خلاله نكتشف السرّ في الاهتمام بالتربة الحسينية واتخاذ قطع منها للسجود عليها عند جمع من المسلمين.
وسوف نقدّم هذه البحوث كما يلي:
البحث الأول: النصوص الواردة حول ما يسجد عليه
البحث الثاني: أفضلية السجود على التراب
البحث الثالث : فضيلة التربة الحسينية
البحث الرابع : لماذا الاهتمام بالسجود على التربة الحسينية ؟

البحث الأول

البحث الأول
النصوص الواردة حول ما يسجد عليه
نقدّم في هذه الفقرة ما جاء في الصحاح الست ، وغيرها من اُمّهات المسانيد والسنن، من سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله) الواردة فيما يصح السجود عليه، ونمضي على ضوئها ونتخذها سنة متبعة، وطريقة حقة لا محيد عنها، وهي على ثلاثة أقسام:
القسم الأول :
ما يدل على صحة السجود على الأرض .
1 ـ جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً.
وفي لفظ مسلم: جعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء.
وفي لفظ الترمذي : جُعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً. عن علي، وعبدالله بن عمر، وأبي هريرة، وجابر، وابن عباس، وحذيفة وأنس، وأبي اُمامة، وأبي ذر.
وفي لفظ البيهقي : جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً.
وفي لفظ له أيضاً: جُعلت لي الأرض طيبة ومسجداً، وأيّما أدركته الصلاة صلى حيث كان [1] .
2 ـ الأرض لك مسجد فحيثما أدركت الصلاة فصلّ، قال(صلى الله عليه وآله)لأبي ذر [2] .
3 ـ ابن عباس: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) سجد على الحجر [3] .
4 ـ أبو سعيد الخدري، قال: أبصرت عيناي رسول الله(صلى الله عليه وآله)وعلى أنفه وجبهته أثر الماء والطين [4]
5 ـ رفاعة بن رافع مرفوعاً، ثم يكبر فيسجد فيمكّن جبهته من الأرض حتى تطمأنّ مفاصله وتستوي [5] .
6 ـ ابن عباس، وأنس ، وبريدة باسناد صحيح مرفوعاً: ثلاثة من الجفاء : يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته. وفي لفظ واثلة بن الأسقع: لا يمسح الرجل جبهته من التراب حتى يفرغ من الصلاة [6] .
7 ـ جابر بن عبدالله، قال: كنت اُصلي مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر فآخذ قبضة من حصى في كفي لتبرد حتى أسجد عليه من شدة الحر.
وفي لفظ لأحمد: كنا نصلي مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة الظهر، وآخذ بيدي قبضة من حصى فأجعلها في يدي الاُخرى حتى تبرد ثم أسجد عليها من شدة الحر.
وفي لفظ البيهقي: كنت اُصلى مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة الظهر فآخذ قبضة من الحصى في كفي حتى تبرد، وأضعها بجبهتي إذ سجدت من شدة الحر.
فقال البيهقي، قال الشيخ: ولو جاز السجود على ثوب متصل به لكان ذلك أسهل من تبريد الحصى في الكف ووضعها للسجود عليها، وبالله التوفيق [7] .
8 ـ أنس بن مالك : كنا نصلي مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في شدة الحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه [8] .
9 ـ خباب بن الأرت، قال: شكونا الى رسول الله(صلى الله عليه وآله)شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يُشكنا [9] .
10 ـ عمر بن الخطاب: مطرنا من الليل فخرجنا لصلاة الغداة فجعل الرجل يمرّ على البطحاء فيجعل في ثوبه من الحصباء فيصلي عليه، فلما رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ذاك، قال: ما أحسن هذا البساط. فكان ذلك أول بدء الحصباء . وأخرج أبو داود عن ابن عمر: مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة، فجعل الرجل يأتي بالحصى في ثوبه فيبسطه تحته... الحديث [10] .
11 ـ عياض بن عبد الله القرشي : رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله)رجلاً يسجد على كور عمامته، فأومأ بيده ارفع عمامتك، وأومأ الى جبهته [11] .
12 ـ عليّ أمير المؤمنين : إذا كان أحدكم يصلي فليحسر العمامة عن جبهته [12] .
13 ـ نافع : إنّ عبدالله بن عمر كان إذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتى يضع جبهته بالأرض [13] .
14 ـ عبادة بن الصامت: أنه كان إذا قام الى الصلاة حسر العمامة عن جبهته [14] .
15 ـ أبو عبيدة: إنّ ابن مسعود كان لا يصلي أو لا يسجد إلا على الأرض [15] .
16 ـ إبراهيم: أنه كان يقوم على البردي ويسجد على الأرض . فقلنا: ما البردي؟ قال: الحصير [16] .
17 ـ صالح بن حيوان السبائي : إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) رأى رجلاً يسجد بجنبه وقد اعتمّ على جبهته فحسر رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن جبهته [17] .
القسم الثاني :
فيما ورد في السجود على غير الأرض من دون أي عذر
1 ـ أنس بن مالك: إنّ جدته مليكة دعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)لطعام صنعته له، فأكل منه ثم قال: قوموا فلاُصلي لكم، قال أنس: فقمت الى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لُبس ، فنضحته بماء، فقام رسول الله(صلى الله عليه وآله) وصففت، واليتيم وراءه ، والعجوز من ورائنا... الحديث [18] .
إن اُمّ سليم سألت رسول الله(صلى الله عليه وآله): أن يأتيها فيصلي في بيتها فتتخذه مصلى (فأتاها)، فعمدت الى حصير فنضحته بماء فصلى عليه وصلوا معه [19] .
فقال: قال أبو عبدالله بن ماجة : الفحل هو الحصير الذي قد اسودّ.
وفي سنن البيهقي [20] : كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقيل [21] عند اُمّ سليم، فتبسط له نطعاً فتأخذ من عرقه فتجعله في طيبها، وتبسط له الخمرة ويصلي عليها [22] .
قال في هامش السنن : الفحل : حصير معمول من سعف فحال النخل [23] .
2 ـ ابن عباس : كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يصلي على الخمرة [24] .
3 ـ أبو سعيد الخدري : إنّه دخل على النبي(صلى الله عليه وآله) ، فرآه يصلي على حصير يسجد عليه [25] .
4 ـ ميمونة اُمّ المؤمنين: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يصلي وأنا حذاؤه وربما أصابني ثوبه إذا سجد، وكان يصلي على خمرة [26] .
5 ـ ابن عمر: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يصلي على الخمرة ويسجد عليها[27].
6 ـ اُمّ سلمة اُمّ المؤمنين: كان لرسول الله حصيرة وخمرة يصلي عليها [28] .
7 ـ أنس : كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يصلي على الخمرة ويسجد عليها [29] .
القسم الثالث:
فيما ورد في السجود على غير الأرض لعذر
1 ـ أنس بن مالك: كنا إذا صلينا مع النبي(صلى الله عليه وآله) فلم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض من شدة الحر، طرح ثوبه ثم سجد عليه.
وفي لفظ البخاري: كنا نصلي مع النبي(صلى الله عليه وآله) فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود.
وفي لفظ مسلم: كنا نصلي مع النبي(صلى الله عليه وآله) في شدة الحر، فإذا لم يستطع [30] أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه.
وفي لفظ : كنا إذا صلينا مع النبي(صلى الله عليه وآله) فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود [31] .
قال الشوكاني في النيل: الحديث يدل على جواز السجود على الثياب لاتّقاء حرّ الأرض، وفيه إشارة الى أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل، لتعليق بسط الثوب بعدم الاستطاعة، وقد استدل بالحديث على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي. قال النووي : وبه قال ابو حنيفة والجمهور... الخ
2 ـ أنس بن مالك: كنا إذا صلينا خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله)بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتّقاء الحر.
أخرجه ابن ماجة في سننه [32] وقال الإمام السندي في شرحه:
الظهائر جمع ظهيرة وهي شدّة الحر نصف النهار «سجدنا على ثيابنا» الظاهر أنّها الثياب التي هم لابسوها، ضرورة أن الثياب في ذلك الوقت قليلة، فمن أين لهم ثياب فاضلة؟ فهذا يدل على جواز أن يسجد المصلي على ثوب هو لابسه كما عليه الجمهور.
وعلى هذه الصورة يحمل ما جاء عن ابن عباس : رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يسجد على ثوبه [33] .
وأخرج البخاري [34] في باب السجود على الثوب في شدة الحر: وقال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه.
وهناك مرفوعة أخرجها أحمد [35] عن محمد بن ربيعة عن يونس بن الحرث الطائفي عن أبي عون عن أبيه عن المغيرة بن شعبة قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يصلي أو يستحب أن يصلي على فروة مدبوغة [36]
والإسناد ضعيف بالمرّة وبمثله لا يستدلّ في الأحكام ، فيه يونس ابن الحرث، قال أحمد: أحاديثه مضطربة، وقال عبدالله بن أحمد: سألته عنه مرّة اُخرى فضعفه، وعن ابن معين: لا شيء، وقال أبوحاتم: ليس بقوي، وقال النسائي: ضعيف. وقال مرّة : ليس بالقوي، وقال ابن أبي شيبة: سألت ابن معين عنه، فقال: كنا نضعفه ضعفاً شديداً ، وقال الساجي: ضعيف إلاّ أنه لا يُتهم بالكذب [37] .
وفيه أبوعون عبيدالله بن سعيد الثقفي الكوفي، قال أبو حاتم كما في الجرح والتعديل لابنه: هو مجهول، وقال ابن حجر: حديثه عن المغيرة مرسل.
على أن متن المرفوعة ساكت عن السجدة وحكمها، والملازمة بين الصلاة على الفروة والسجدة عليها منتفية.
القول الفصل:
هذا تمام ما ورد في الصحاح والمسانيد مرفوعاً وموقوفاً فيما يجوز السجود عليه برمته، ولم يبق هناك حديث لم نذكره، وهي تدل بنصها على أن الأصل في ذلك لدى القدرة والإمكان الأرض كلها، ويتبعها المصنوع مما ينبت منها أخذاً بأحاديث الخمرة والفحل والحصير والبساط، ولا مندوحة عنها عند فقدان العذر، وأما في حال العذر وعدم التمكن منها فيجوز السجود على الثوب المتصل دون المنفصل لعدم ذكره في السنة.
وأما السجدة على الفراش والسجاد والبسط المنسوجة من الصوف والوبر والحريروأمثالها والثوب المتصل فلا دليل يسوّغها قطّ، ولم يرد في السنة أي مستند لجوازها، وهذه الصحاح الست ـ وهي تتكفل بيان أحكام الدين ولا سيما الصلاة التي هي عماده ـ لم يوجد فيها ولا حديث واحد، ولا كلمة إيماء وإيعاز الى جواز ذلك.
وكذلك بقية اُصول الحديث من المسانيد والسنن المؤلفة في القرون الاُولى الثلاثة ليس فيها أيّ أثر يمكننا الاستدلال به على جواز ذلك من مرفوع أو موقوف ، مسند أو مرسل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Disqus Shortname

Comments system

Ad Inside Post