المنايا تسير وراءهم
كانت القافلة تطوي الطريق الممتد بين مكة والكوفة بسرعة لاستباق الاحداث التي تنذر بها الظروف .
موت معاوية ، واستخلاف يزيد ، وتململ الامة الاسلامية من لحظة تحول الخلافـة إلى ملك عضـوض ، ذلك التحول الذي حذّر منـه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ..
لقد خرج الإمام الحسين ( عليه السلام ) من مكة يوم الثامن من ذي الحجة حيث يتجه وفود الرحمن إلى منى فعرفات لأداء الحج الأكبر . وكانت حركته صدمة هائلة للنظام السياسي الذي بناه الحزب الأموي طيلة اربعين سنة . كما كانت فرصة كبيرة للمؤمنين للجهاد من اجل اعادة الأمة ونظامها السياسي إلى الصراط المستقيم ذلك الصراط الذي رسمه الوحي وبيّنه الرسول . ومضى عليه الإمام علي وأيده المخلصون من قادة المسلمين .
تتوهج شمس الظهيرة في أيام الربيع في ذلك الطريق الصحراوي والإمام الحسين ( عليه السلام ) قد بانت على وجهه الشريف قسوة الأحداث . فاسرع إليه الشيب ، والحركة السريعة تجهد الإنسان فمن الطبيعي ان يغفو الإمام فوق قربوس فرسه ..
انتبه مرعباً ، وهو يقول انا لله وانا إليه راجعون ..
كان ولده علي الأكبر ومرافقه غير بعيد عنه . انه كان يلاحـظ والـده . ولعله كان يحرسه ، بينمـا كان العباس ( عليه السلام ) يحرس قافلة النساء .
فاسرع إليه قائلاً ممَّ استرجعت يا أبه ؟ لم يخف الإمام عن ولده حقيقة نومه بالرغم من معرفته بايمان علي الأكبر بامامة والده وعصمته وان منامه حق .
ولكنـه لـم يخف عنه منامــه علمــاً منه بمدى رسوخ الايمان عند ولده فقال له : رأيت كأن هاتفاً يقول : القوم يسيرون والمنايا تسير وراءهم .
فالرحلة ليست ـ في واقعها ـ إلى الكوفة . و إقامة حكم إسلامي فيها . و إزاحة الطاغوت يزيـد ، وحزبه الأموي . بالرغم من ان ذلك هو المخطط المرسوم والمرتقب عند الناس بل وحتى عنـد الكثير ممن يرافق قافلة الحسيـن ( عليه السلام ) .
كلاّ انما هي رحلة الشهادة .. رحلة المنايا التي تلاحق الركب كله . استمع علي الأكبر إلى والده بأدب جم فلما سكت بادره قائــلاً : يا أبه أفلسنا علـى حق ؟
قال : بلى . يا بني والذي إليه مرجع العباد .
قال : إذاً لا نبالي بالموت اوقعنا على الموت او وقع الموت علينا 1 .
تلك الكلمة كانت منتظرة من سلالة الرسالة حفيد أميـر المؤمنيـن علي ( عليه السلام ) وكانت ـ في ذات الوقت ـ هدية ثمينة قدمها الولد لوالده في مقابل أتعابه عليه وجهده في تربيته .
انها كانت صدى لصـوت الحسين ( عليـه السلام ) . ذلك الصوت الالهي الذي آنس علياً منذ ولادته . صـوت الحق ، صوت الإيمان بالله لا بالطاغوت ، والتسليم للوحـي لا للهوى ، وحب الحق لا المصالـح ..
تلك الكلمة كانت مرآة للروح الإيمانية التي انسابت من ضمير سبط رسول الله ابن فاطمة الزهراء وربيب أمير المؤمنين ، إنسابت تلك الروح في وعي سلالة الرسالة ، علي الأكبر منذ استهلاله .
بلى الإنسان سيرة ورسالة . سيرة الإنسان تمتد عبر حيـاته بينما تتجلى رسالته في موقف واحد او بضعة مواقف في حياتـه . ورسالــة الإنسان هـي خلاصة سيرتـه .. ولأن سيرة علي الأكبر كانت الهية جاءت رسالته الهية ايضاً . وتجلت في تلك الكلمة الرائعـة التي اشبهت كلمة جده الإمام علـي ( عليه السلام ) في ليلة المبيت إذ سأل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حينما أمره بالمبيت على فراشه المحاط بسيوف قريـش ، سأله أنت تسلم قال : بلى ، إنه لم يسأل عن سلامة نفسه بل عن سلامة الرسول .
وكما اشبهت كلمة جده الإمام علي ( عليـه السـلام ) عندمــا أخبره النبي بشهادته . حين سأله أفي سلامـة مـن ديني قال : بلى ، فحمد الله .
وهي بالتالي صدى لكلمة والده الإمام الحسين ( عليه السلام ) حينما قـال :
" إني لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برمــا " .
يا أبتاه إئذن لي بالقتال
وأوغل ركب الرسالة في الصحراء غير آبه بالمنايا التي كانت تلاحقهم . ولعل فتيان بني هاشم الذين شهدوا حوار الإمام الحسين ( عليه السلام ) مع علي الأكبر تباشروا بالشهادة ، اذ انه منذ صلح الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) مع معاوية . وتوقف الحرب الساخنة ، قلّت فرص الشهادة لبني هاشم . وكانت تلك أسرة قد اكرمها الله بها. وكان من الصعب على فتى هاشمي ان يفكر انه يموت على فراشه . ولا يحظى بالقتل في سبيل الله . إلا انهم اليوم يجدون فرصة ذهبية . الشهـادة تحت راية أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) سبــط الرسالة وسيد شباب أهل الجنة . إنهـا أعظم أمنيـة للمسلم وبالذات لأبناء الرسالة .
وهكذا يفترض أن تكون كلمة الإمام ( عليه السلام ) وجواب ابنه قد اشعلت في نفوس بني هاشم جذوة الإيمان . وأخذوا يستعدون للقاء الله ..
وتوقف الركب في ارض كربلاء . حيث كانت واقعة عاشوراء حديثاً معروفاً في بيت الوحي . منذ ان جلس الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في بيت فاطمة الزهراء ابنته الصديقة يحيط به الإمام أمير المؤمنين والحسنان .. وابتسامة الشكر وبشرى الحمد تعلوان محيـاه .
ولِمَ لا يسر فهذه ابنته سيدة نساء العالمين . وهذا وصيه سيد الخلق بعد الرسول . وهذان سبطاه سيدا شباب أهل الجنة . انها اعظم نعمة حباها الله سبحانه لرسوله . وكان سروره بهم عظيماً . ولكن جبرئيـل أخبره بما يجري على أهل بيتـه من بعده وبالذات بمصرع الحسين ( عليه السلام ) ، فقــام النبــي إلى زاوية البيت فصلى ركعات فلما كان في آخر سجوده بكى بكاءً شديداً فلم يسأله أحد منا ( الحديث مأثور عن أميـر المؤمنيـن عليـه السلام واللفظ مروي عنه ) اجــلالاً و إعظامـاً لـه .
فقـام الحسين في حجـره وقال له : يا أبه لقد دخلت بيتنا فما سررنــا بشيء كسرورنا بدخولك ثم بكيت بكاءً غمنا فما ابكاك ؟ فقال : يا بني أتاني جبرئيل ( عليه السلام ) آنفـاً فأخبرنـي انكم قتلى وان مصارعكم شتـى 2 .
وفي مناسبـات عديـدة اخرى أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بواقعــة الطف التــي تحولت إلى عهـد في بيت الرسالـة . وبالذات عند اقتراب رحيل فاطمة الـزهراء ( عليها السلام ) حيث قالـــوا انها وصّت ابنتهــا زينب ( عليها السلام ) بالحسين في واقعة كربلاء . وعند شهادة الإمام علي ( عليه السلام ) حيث سألته ابنته عن حديث كربلاء ، فقال لها وهو في ساعاته الأخيرة : الحديث كمـا حدثتك أم ايمن . ثم اخبرها بمصيبة سبيها . وعند وفاة الإمام المجتبى ( عليه السلام ) كانت مناسبة للحديث عن يوم الحسين ( عليه السلام ) حيث قال سلام الله عليه : ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ..
فلما توقفت قافلة الشهادة في الطف . وعرف الجميع ان اسم تلك الأرض كربلاء ، تماوجت في وعيهم كل تلك الأحاديث فهاهي الحقيقة ماثلة بكل عنفوانها وعظمتها ، انها كربلاء ؛ ارض الشهادة ، ارض الملحمة الكبرى ، ارض البطولات النادرة ، ارض الصراع بين الحق الذي ينتصر بالرغم من شهـادة دعاتـه . والباطل الذي يتلاشى بالرغم من نشوة اعوانه .
في ليلة عاشوراء ، حيث اجتمع المجاهدون من حملة رسالة الوحي . كان بنو هاشم يطالبون بالمبادرة إلى المعركة غداً . ليسبقوا الأصحاب إلى شرف الشهادة . ولكن الأصحاب وفيهم البقية من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبوا إلاّ ان يفدوا أهل بيت الرسالة بأنفسهم . واتفق الجميع على ذلك ..
وفـي يوم الواقعـة وبعد أن أبلى أصحاب الإمام في نصرة الحـق بـلاءً حسنـاً . واستشهدوا جميعاً ، بادر علي الأكبر ( عليه السلام ) بالمثول أمام والده يستأذنه في البراز ..
كــانت تلك ساعــة بالغة الروعة .. لقد وقـف الفتــى الرشيد مستطيلاً على الزمن ، متحدياً الحياة الدنيا ، مستشرفاً آفاق الآخرة . وقف امام والده يطلب منه الإذن بأن يقتحم غابة الذئاب حيث تتموج غمرات الموت ..
لم يتردد الإمام الحسين ( عليه السلام ) في الاذن له . بل وتشجيعه ، بالرغم من عمق حبه له وعظيم شفقته عليه ، وبالغ منزلته عنده . إنه يمثل أسمى تطلعاتـه في الدنيا أن يبقى علي يمثل خطه ويحمي قيمه . ولكنه يعرف أن حماية القيم انما هي ببذل دمه . وتمزق جسده أمام عيني أبيه . وهكذا أذن له ..
خلقاً برسول الله
وسقاه جده بالكأس الأوفى
مشى علي الأكبر إلى الميدان . كانت المعركة ابداً غير متكافئة .كان عدد المقاتلين في جبهة النفاق ثلاثين ألفاً على أقل الروايات .
ولكن علياً كان بطلاً ليس في قوته الجسدية الفائقة وتمرسه بفنون القتال فقط . ولكن ايضاً في عزمه وتوكله وبحثه عن الشهادة القاهرة . كان يريد الموت في سبيل الله ولكن يسبقه أخذ الثار من عدوه . موت المقتدر الظافر . وليس موت الذليل المقهور .
ولم تكن المعركة بعيدة عن موقع القيادة حيث يقف الإمام الحسين ( عليه السلام ) مع الثلة الباقية من أهل بيته يراقبها عن كثب .
وضع سيفه فيهم . فأرواه بدماءهم . واعاد إلى المعركة صورة هجمات جـده الإمام علي ( عليه السلام ) .
حتى ألهم الشعراء معركته فقال بعضهم :
ومــا ادري اعــزي أم اهنــئ
عـلـي المرتضى بابــن الشهيــد
علي فــي الطفوف أقـام حربــاً
حربـك يا علـي علـى إليهــود
وكان في قتاله يرتجز ويقول :
أنا علي بن الحسيــن بـن علـي
من عصبـة جد أبيهـم النبـــي
والله لا يحكم فينــا ابن الدعــي
أطعنكم بالرمح حتــى ينثنــي
ضـرب غـلام هاشمــي علـوي
وقتل منهم مقتلة عظيمة قيل أنه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلاً 3 .
فمن بعد ان جنـدل كل من برز إليه من أبطال الكوفة كأمثال بكر بن وائل عاد من المعركة ؛ لا لكي يطالب أباه وإمامه بالجائزة ، فعلي يعرف ان جائزته الجنة والرضوان . ولكن لعله ليستريح ، وليتقوى على الأعداء ، وربما ايضاً ليثبت هيمنته على ارض المعركة فهو يقتحمها متى شاء . ويعود منها أنى اراد .. وهدف آخر كأن علياً كان يسعى إليه هو إلقاء نظرة أخيرة إلى والده . ان حب علي الأكبر لوالده كان عميقاً نابعاً من حبه لربه فهذا الحسين إمامه وحجة الله عليه . وقائده إلى ربه وولي أمره الإلهي . وقف أمامه وقال بكل احترام :
يا أبه العطش قد قتلني وثقل الحديد قد أجهدني فهل إلى شربة مـاء من سبيل أتقوى بها على الأعـداء ؟
فبكى الحسين وقال : يا بني يعز على محمد وعلى علي بن أبي طالب وعليَّ أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك يا بني هات لسانك ، فأخـذ بلسانه فمصه ودفع إليه خاتمـه وقال : " امسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوك ، فإني أرجو انك لا تمس حتى يسقيك جـدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً " 4 .
أولياء الله يتسابقون إلى الدرجات العلى عنده . وهكذا يبشر الإمام ( عليه السلام ) ولده بالكأس الأوفى عند جده والذي يشربه قبل المساء ؛ أي انه بالشهادة . ومن ثم بالفوز بالشراب الذي فيه الارواء الخالد .
وهكذا استمد البطل من قائده العزيمة وعاد إلى المعركة بقلب صلب ، وروح طافحة باليقين ، وهنا أخذ يرتجـز قائــلاً :
الحرب قد بانت لها الحقــائــق
وظـهـرت من بعدهـا مصــادق
واللـه رب العـــرش لا نفــارق
جمـوعكـم او تغمـد البـــوارق
فلم يزل يقاتل حتى قتل تمام المائتين 5 .
كـان علي الأكبر عازماً على الشهادة ، ولذلك فـإن قتاله كان قتال البطل المستميت ، والشجاعة الفائقة . وهكذا استطاع عدوه ( منقذ بن مرة العبدي ، او مرة بن منقذ على اختلاف الرواة ) إستطـاع ان يغتاله ويسدد ضربة على رأسه صرعتــه ..
وبمجرد ان رأى اعداءه الموتورون ان البطل قد صـرع ، احتوشوه وانهالوا عليه ضرباً بالسيوف . فاعتنق علي فرسه ، ومن عادة الأفـراس العربية ان تفهم اشارة الاعتنـاق . وتعيد بالفرسان عندها إلى موطن آمن ولكن الجيش المعادي كان قد احاط بعليّ الأكبر ، وتدفق الدماء من رأسه على عيني الجواد منعه من الاهتداء إلى معسكر الحسين ، فحمله إلى عسكر الأعداء الذين دعاهم الحقد واللئامة إلى ان ينهالوا عليه بسيوفهم ويقطعوه إرباً إرباً 5 .
فـي هـذه الفترة العصيبة ، لم يطلب علي النجدة من أبيـه . وتحمّل كل تلك الطعنات بصبر ويقين . ولكن عندما بلغت روحه التراقي قال رافعاً صوته :
يا أبتاه هذا جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً وهو يقول : العجل العجل !! فـإن لك كأساً مذخورة حتى تشربها الساعـة 6 .
تلك كانت الكلمات الأخيرة التي نطق بها علي الأكبـر ( عليه السلام ) . وكانت تعبيراً صادقاً عن إيمانه وعرفانه ، ودرجات يقينه . وكانت زينب الكبرى ( عليها السلام ) تراقب المعركة عن كثب فلما سقط علي الأكبر وسمعت صوته خرجت تنادي يا حبيباه ، يا ثمرة فؤاداه ،يا نور عيناه ، فأقبلت حتى وصلت إلى جثمان الشهيد فانكبت عليه فجاء الحسين ( عليه السلام ) فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط 7 .
واقبل الإمام الحسين إلى فتيان بني هاشم وقال : احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه فجاءوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه 8 .
ويظهـر من ذلك أن علي الأكبر كان أول شهيد من بني هاشـم . كما جاء في حديث مأثور عن الإمام الباقـر ( عليه السلام ) 6 .
التسابق إلى الجنة شعار كربلاء
بعد ان اكتمل عدد الشهداء ، وبقي الإمام الحسين وحيداً ألقى نظرة عليهم فاذا بهم صرعى مضرجين بدمائهم ، قد مزقتهم حراب الأعداء ، فتنفس الصعداء و ألقى خطاباً دوى عبر الآفاق وعلى امتداد العصور :
" يا مسلم بن عقيل ويا هاني بن عروة ويا حبيب بن مظاهر ويا زهير بن القين ويا يزيد بن مظاهر ويا فلان بن فلان يا أبطال الصفا ويا فرسان الهيجا .. مالي أناديكم فلا تجيبون وادعوكم فلا تسمعون انتم نيام أرجوكم تنتبهون أم حالت مودتكـم عن إمامكم فلا تنصروه هذه نساء الرسـول ( صلى الله عليه وآله ) لفقدكم قد علاهنَّ النحول فقوموا عن نومتكم أيها الكرام وادفعوا عن حرم الرسول الطغـاة اللّئـام . ولكن صرعكم والله ريب المنـون . وغـدر بكم الدّهر الخؤون ، و إلّا لما كنتم عن نصرتي تقصرون ولا عن دعوتي تحتجبون فها نحن عليكم مفتجعون وبكم لاحقون فإنا لله وإنا إليه راجعون ثم أنشـأ يقول :
قــوم إذا نـودوا لدفع ملمَّــةٍ
والخيـل بيــن مدعّس ومكردس
لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا
يتهـافتـون على ذهاب الأنفس
نصروا الحسيـن فيا لها من فتيـة
عافوا الحياة والبسوا من سندس 9
وقبل ئذ شهد السبط الشهيـد لأهل بيته وأصحابه بشهادة حق حين قال فيهم ليلـة عاشـوراء :
أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ، ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ وأوصل من أهل بيتي فجزاكـم الله عني خيراً 10 .
لم تكن تلك مدحة باطلة ، حاشا لله ، انها كانت محض الحق . ومرّ الواقع .. لقد كان الصفوة الرسالية التي اصطفاها الحسين ( عليه السلام ) للشهادة معه . رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . وكان إيمانهم ويقينهم وولاءهم لله سبحانه وللرسول وأهل بيته عليه وعليهم السلام . هو الذي حملهم إلى كربلاء . ولذلك فقد كان تسابقهم إلى الجنة شعارهم الأسمى . وإنّ ذلك هو المعيار لمعرفة مدى يقين المؤمن وصدق كلماته .
في ليلة الواقعة يجتمع الإمام بأصحابه فيطلب منهم ان يتخذوا ليلتهم تلك جملاً ، ويتفرقوا عنه فإن القوم لا يطلبون غيره . فقال لهم : واني لأظن يوماً لنا من هؤلاء ألا واني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم حرج منّي ولا ذمام . هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً 11 .
فقام أحدهم وقال :
اما والله لو علمت أني اقتل ثم احيى ثم أحرق ثم احيى ثم اذرى ، يفعل ذلك بي سبعين مرة ، ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك ، فكيف لا افعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها ابداً 12 .
ويقـوم ابن أخيه القاسم بن الحسن ( عليه السلام ) وكان غلاماً . فيسأل عمّه : هل هو ممن يقتل ؟ وقبل أن يجيبه الإمام يسأله : كيف الموت عندك . فيقـول : في نصرتك أحلى من العسل ..
وفي يـوم الواقعة حينما يطلب القاسم الأذن بالهجوم يعتنقه السبط الشهيـد ويبكيان ساعة ثم ينطلق كالصقر ويشق صفوف الجيش المعادي بسيفه ويقتل منهم جمعاً . فينقطع شسع نعلـه ، فإذا به ينحني لإصلاحه غير آبه بحراب الذئاب الموتورة من حوله .. انه يتسابق إلى الجنة . ومطيته الشهـادة .
وهذا عابس بن شبيب الشاكري .. تقول الروايات عنه انه كان أشجع الناس فلما برز قال احدهم : أيها الناس هذا أسد الأسود ، هذا ابن شبيب ، لا يخرجن إليه أحد منكم فأخذ ينادي ألا رجل ؟ ألا رجل ؟
فقال عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة من كل جانب ، فلما رأى ذلك ألقى درعه و مغفره ثم شدّ على الناس فوالله لقد رأيت يطرد أكثر من مأتين من النــاس ثم انهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل 9 ويقال انه لمّا تجرد من اسلحته قال أحدهم له : أجننت يا بن شبيب ؟ فقال : حب الحسين أجنني .
وفي ليلة العاشـر : يتمازح القوم لانهم يعلمون باقتراب موعد الجنة منهم . فغداً سيكونون عند ربهم وعنــد من سبقوهم إليه سبحانه . تقول الرواية : إن برير بن خضير الهمداني ، وعبد الرحمن بن عبد ربه الانصاري وقفا على باب الفسطاط فجعل بريـر يضاحك عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن يا بريــر أتضحك ؟ ما هذه ساعة باطل ، فقال برير : لقد علم قومي أنني ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً ، وإنمـا افعل ذلك استبشاراً بما نصيـر إليه ، فوالله ما هو إلاّ ان نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهـم ساعة ثم نعانق الحور العيـن 9 .
إن هذه الـروح التي تجلت في شهــداء كربـلاء اعطت امتنا الاسلاميـة وبالذات الموالين لآل الرسول منهم قوة ومناعة واقتداراً لان كل مخلص فيهم يتمنى لو ختمت حياته بالشهادة والتحق بأصحاب الحسين ( عليه السلام ) . وإنهم حين يقفون على اضرحة الشهداء يقولون :
يا ليتنا كنا معكم فنفوز معكم فوزاً عظيماً .
إن روح الشهادة هـي التي يستمدها المؤمن من سيــرة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأهل بيته وأصحابه . ومن هذا المنطلق يصر المؤمنون على إقامة الشعائر الحسينية وبالذات في العشر الأول من شهر محرم الحرام . فترى كربلاء تتألق من جديد . وترى عاشوراء تضيء درب السالكين إلى الحق . وتعطــي الرساليين دفعات من الوعي والعـزم ..
زيـارة الشهيـد
السلام على أول قتيل من نسل خير سليل
لقد جذبت عظمة شخصية علي الأكبر (عليه السلام ) القلوب واستقطبت الأرواح .
صحيح أن علي الأكبر كجسد قد قطعته سيوف أعداء الله ، وقــد وري التـراب إلى جنب مرقــد أبيه الحسيـن ( عليه السلام ) في كربلاء . إلاّ أن نهجه ومآثره لا زالت خالدة ، تشع نوراً ليهتدي بها كل من يعتصم بالحق ويبرأ من الباطل .
وهاهـم المؤمنون يتعاهدون زيارته ، ليجددوا العهد معه علـى مواصلة مسيرة الهدى ، والاستقامــة على دين الله ،والوفاء بعهده ، والطاعة للقيادة الرسالية .
وفي آداب زيارته وردت مجموعة نصوص على لسان أئمة الهدى عليهم السلام ؛ نذكرها هنا لتبيان علو شأن علي الأكبر ، ومكانته المتميزة ...
1 ـ جاء في كتاب مصباح الزائر لابن طاووس قال : وتأتـي إلى رجلي الحسين فتقف على علي بن الحسين وتقول :
السلام عليك أيها الصديق الطيب الطاهر ، والزكي الحبيب المقرب ، وابن ريحانة رسول الله . السلام عليك من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته . ما أكرم مقامك ، واشرف منقلبك . اشهد لقد شكر الله سعيك ، وأجزل ثوابك وألحقك بالذروة العالية ، حيث الشرف كل الشرف ،وفي الغرف السامية في الجنة فوق الغرف ، كما من عليك من قبل وجعلك من أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
والله ما ضرك القوم بمـا نالوا منك ومن أبيك الطاهر صلوات الله عليكما ، ولا ثلموا منزلتكما في البيت المقدس ، ولا وهنتما بما أصابكما في سبيل الله ، ولا ملتمـاً إلى العيش في الدنيا ، ولا تكرهتما مباشرة المنايا . إذ كنتمـا قد رأيتما منازلكما في الجنة قبل ان تصيرا إليهـا ، فأخترتماها قبل أن تنتقلا إليها .
فسررتم وسررتم فهنيئاً لكم يا بني عبد المطلب التمسك بالنبي وبالسيد السابق حمزة بن عبد المطلب ، اذ قدمتما عليه وقد لحقتما بأوثق عروة وأقوى سبب . صلى الله عليك أيها الصديق الشهيد المكرم والسيد المقدم الذي عاش سعيداً ومات شهيداً وذهب فقيداً فلم تتمتع من الدنيا إلاّ بالعمل الصالح ولم تتشاغل إلاّ بالمتجر الرابح .
اشهد انك من الفرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلقهم ، أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . وتلك منزلة كل شهيد ، فكيف منزلة الحبيب إلى الله ، القريب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله .
زادك اللــه من فضله في كل لفظـة ولحظـة وسكون و حركـة مزيـداً يغبطه ويسعد به أهل عليين . يا كريم الأب ، يــا كريم الجـد إلى ان يتناهـى رفعكـم الله من ان يقـال رحمكم الله وافتقر إلى ذلك غيركم من كل منخلـق اللـه .
صلوات الله عليكم ورضوانه ورحمة الله وبركاته ، فاشفع لي أيها السيد الطاهر إلى ربك في حط الأثقال عن ظهري وتخفيفها عني وارحم ذلي وخضوعي لك وللسيد ابيك صلى الله عليكما .
ثم انكب على القبـر وقل : زاد الله في شرفكم في الآخـرة كما شرفكم في الدنيا ، وأسعدكم كما اسعد بكم ، واشهد انكم أعلام الدين ونجوم العالمين .
2 ـ ذكر الشيخ الجليل ابن قولوية في كامل الزيارة ص 239 بسند صحيح عن أبي حمزة الثمالي ؛ أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) علمه كيف يزور الإمام الحسين ( عليه السلام ) . إلى أن قال له : ثم صر إلى علي ابن الحسين ، فهـو عند رجلي الحسين ، فإذا وقفت عليه فقـل :
السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله و بركاته ، وابن خليفة رسول الله وابن بنت رسول الله ورحمة الله وبركاته مضاعفة كلما طلعت الشمس أو غربت . السلام عليك ورحمة الله وبركاته .
بأبي أنت وأمي من مذبوح ومقتول من غير جرم ، بأبي وأمي دمك المرتقى به إلى حبيب الله ، بأبي أنت وأمي من مقدم بين يدي أبيك يحتسبك ويبكي عليك محترقاً عليك قلبه يرفع دمك إلى عنان السماء لا يرجع منه قطرة ولا تسكن عليك من أبيك زفرة حين ودعك للفراق . فمكانكما عند الله مع آبائك الماضين ، ومع أمهاتك في الجنان منعمين . أبرء إلى الله ممن قتلك وذبحـك .
ثم إنكب على القبر وضع يدك عليه وقل : سلام الله وسلام ملائكته المقربين وأنبيائـه المرسلين وعباده الصالحين عليك يا مولاي وابن مـولاي ورحمة الله وبركاتـه .
صلى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وأبنائك وأمهاتك الأخيار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
السلام عليك يا ابن رسول الله وابن أمير المؤمنين وابن الحسين ابن علي ورحمة الله وبركاته .
لعن الله قاتلك ولعن الله من أستخف بحقكم وقتلكم ، ولعن من بقي منهم ومن مضى . نفسي فداؤكم ولمضجعكم صلى الله عليكم وسلم تسليماً كثيراً .
ثم ضع خدك على القبر وقل : صلى الله عليك يا أبا الحسن ثلاثـاً .
بأبي أنت وأمي اتيتك زائراً وافداً عائذاً مما جنيت على نفسي وأحتطبت على ظهري . أسأل الله وليك ووليي ان يجعل حظي من زيارتك عتق رقبتـي من النار .
3 ـ روى الشيخ الكليني في الكافي عن يوسف الكناني عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : وتحول عند رأس علي بن الحسين فتقول : سلام الله وسلام ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة الله وبركاته . صلى الله عليك وعلى أهل بيتك وعترة آبائك الأخيار الأبرار الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
4 ـ جاء في كتاب مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ؛ ان صفوان الجمال استأذن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في زيارة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وسأله أن يعلمه ما يقول . إلى ان قال له : ثم صر إلى رجلي الحسين ، وقف عند رأس علي بن الحسين وقل : السلام عليك يا ابن رسول الله ، السلام عليك يا ابن نبي الله ، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين ، السلام عليك يا ابن الحسين الشهيد ، السلام عليك يا ابن الشهيد وابن الشهيد ، السلام عليك ايها المظلوم وابن المظلوم ، لعن الله أمة قتلتك ، ولعن الله أمة ظلمتك ، ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به .
ثم انكب على القبر وقبله وقل : السلام عليك يا ولي الله وابن وليه ، لقد عظمت المصيبة وجلت الرزية بك علينا وعلى جميع المسلمين . فلعن الله أمة قتلتك وأبرء إلى الله واليك منهم .
5 ـ جاء في كتاب البحار عن المزار الكبير ؛ ان صفوان الجمال علمه ابو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) كيفية زيارة الحسين ( عليه السلام ) ، وفيها قال : ثم تأتي إلى قبر علي بن الحسيـن ( عليه السلام ) فتقبله وتقول :
السلام عليك يا ولي الله وابن وليه ، السلام عليك يا حبيب الله وابن حبيبه ، السلام عليك يا خليل الله وابن خليله ، عشت سعيداً ومت فقيداً وقتلت مظلوماً ، يا شهيد ابن الشهيد عليك من الله السلام .
6 ـ وجاء في كتاب مصباح الزائر في زيارة اول رجب وليلته وليلة النصف من شعبان تقف على قبر علي بن الحسين وتقول :
السلام على أول قتيـل من نسـل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل . صلى الله عليك وعلى أبيـك إذ قال فيـك قتل الله قوماً قتلوك يا بني ، ما اجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول . على الدنيا بعدك العفـا .
اشهد انك ابن حجة الله وابن امينه ، حكم الله لك على قاتليك واصلاهم جهنم وساءت مصيراً ، وجعلنا يوم القيامة من ملاقيك ومرافقيك ومرافقي جدك وأبيك وعمك وأخيك وأمك المظلومة الطاهرة المطهرة .
أبرء إلى الله ممن قتلك وقاتلك ، واسأل الله مرافقتكم في دار الخلود ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
7 ـ عن مزار الشيخ المفيد في النصف من رجب توجه إلى علي بن الحسين وقل : السلام عليك يا مولاي وابن مولاي ، لعن الله قاتليك ولعن الله ظالميك . اني اتقرب إلى الله بزيارتكم وبمحبتكم، وابرء إلى الله من اعدائكم . السلام عليك يا مولاي ورحمة الله وبركاته .
8 ـ عن الشيخ المفيد وابن طاووس والشهيد الاول في عيدي الفطـر والأضحى تقف على علي بن الحسين وتقـول :
السلام عليك يا ابن رسول الله ، السلام عليك يا ابن خاتم النبيين ، السلام عليك يا ابن فاطمة سيدة نساء العالمين ، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين ، السلام عليك أيها المظلوم الشهيد . بأبي أنت وأمي ، عشت سعيداً ، وقتلت مظلوماً شهيداً .
9 ـ قالوا جميعاً في عرفة تقف على علي بن الحسين وتقول : السلام عليك يا ابن رسول الله ، السلام عليك يا ابن نبي الله ، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين ، السلام عليك يا ابن الحسين الشهيد ، السلام عليك أيها الشهيد بن الشهيد ، السلام عليك أيها المظلوم .
لعن الله أمة قتلتك ، ولعن الله أمة ظلمتك ، ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به . السلام عليك يا ولي الله وابن وليه ، لقد عظمت الرزية وجلت المصيبة بك علينا وعلى جميع المؤمنين ، فلعن الله أمة قتلتك وابرء إلى الله اليك منهم في الدنيـا والآخـرة .
يا كوكباً ما كان أقصر عمره
حكــم المنية في البرية جـاري
مـا هذه الدنيـا بدار قـــرار
بينا ترى الإنسان فيهــا مخبـرا
حتى يرى خبرا مـن الأخبــار
طبعت على كدر وأنت تريدهـا
صفـوا من الاقنـاء و الاكــدار
ومكلّف الأيــام ضـد طبـاعهــا
متطلب في المـاء جـذوة نــار
وإذا رجوت المستحيــل فانمـا
تبنـي الرجـاء على شفير هــار
فالعيـش نـوم والمنيـة يقظـــة
والمـرء بينهمــا خيـال ســار
فاقضـــوا مآربكم عجـالاً انمــا
أعمـاركم سفر مـن الاسفــار
وتراكضوا خير الشباب وحاذروا
أن تستـرد فـأنهــن عـــوار
والنفس إن رضيت بذلك أو أبت
منقـادة بـــأزمّـــة الاقـــــدار
لا تـأمــن الأيـام يومـا بعد مــا
غدرت بعتــرة أحمد المختـار
فجعت حسينـا بابنه من أشبـــه
المختار في خلق وفي أطــوار
لما رآه مقطّع الاوصـال ملقــى
في الثرى يذري عليه الــذّاري
نــاداه والاحشــاء تـلهـب
والمدامع تستهل بدمعها المدرار
يا كوكباً ما كان أقصر عمــره
وكـذا تكون كواكب الاسحار
وهل من شباب بعد شبه محمد
إلى مَ بأرزائـي أروح وأغتــدي
وتمشي بي الأيام مشيـة أرمـد
وأمسـي أسير النائبات على جوى
ونار الاماني في الحشا المتوجد
هلكت فيـا لله هل من مساعــد
بعيـش رغيد أو بموت مؤبـــد
لعمري موت ، لو يباع ويشترى
بذلت عليه كلما ملكت يـدي
ولم أبق في دار الهوان ولم أعـش
وأيام عمـري تنقضي بالتنكّــد
وقائلــة لمّا رأت ســوء طـالعـي
وأنّ بلوغ الموت غاية مقصدي
تقول لي : ارحم من شبابك بدءه
عليك ولا تهلك أسى وتجلّـد
فقلت لها :كفّي عن اللوم والأذى
فإني علـى الارزاء غيـر معــود
ولم انتفع يومـاً بشـرخ حبيبتـــي
وهل من شباب بعد شبـه محمد
أبعد عليّ الاكبر الطهر من سما
لأوج العلـى والمجد طالب سـؤدد
فلا ابيضّ وجه الدهر من بعد يومــه
ولازال في ليل من الخطب أسود
وإن انس لا أنساه عاطش مهجـة
تريب المحيا، فوق كثب وجلمد
قضى بعدما أعطى البسالة حقّها
بعضب يمـانـي جراز مجـــرّد
ودافع كالليث الهصور مشمّــراً
طليـق المحيّا عن كرائم أحمد
إلى أن أتاه السيف يهوى لرأسه
فخرّ صريعـاً، والاعادي بمرصد
ودار عليه القـوم من كـلّ جانب
بأسيافهم من أشـأم إثـر أنكــد
فنادى أباه الطهر يصرخ قائـلاً :
عليك سلام الله يا ابن محمـد
ولما أتاه السبـط يحنـو بظهــره
رآه علـى حـرّ الثرى المتوقّــد
فأرخى عليه الدّمع من جفن كامد
وأبدى عليه الوجد من قلب مكمـد
وأحنـى ضلوعاً مـن جوىً وصبابــة
عليـه بتقبيــل ورشـف مـــردد
عليّ عــزيــز أن أراك مـقطعــاً
صريعاً على البوغاء غير مـوسّـد
أيدري حسام شقّ رأسك أنـــه
بضربته قد شـقّ رأس محمـــد
شبيه محمد خير الجدود
و ما أدري أعــزي أم أهــنّـــي
علــي المرتضى بابن الشهيــد
فــطــوراً للـوصــيّ بـه أهنّــي
وأنظم مدحـه نظــم العقـــود
علـيّ بالطفـوف أقــام حربــاً
كحربـك يا علـي مع إليهــود
وقاتـل بكرهــم كقتــال عمــر
وجندلـه علـــى وجه الصعيــد
وصيّـر كربــلاء بــدراً وأُحـــداً
ونادى يا حروب الجدّ عودي
فطـوراً يــا علــيّ بــه أعــــزّي
وتبكـي العين كالعقد الفريـــد
فيـا نفس اذهبـي وجداً وحزنـــاً
ويا عيني بحمر الدمع جـودي
علـى حلو الشباب وبـــدر تــمّ
شبيــه محمـد خيــر الجــدود
كــأني بالحسيــن غدا ينـــادي
علينـا يا ليالي الوصل عــودي
رجوتك يـا عليّ تعيـش بعــدي
لتوسـد جثّتي رمــس اللحــود
وتمشي باكيا من خلف نعشـــــي
كما يبكـي الوليد على الفقيــد
ولــم أنـس النسـاء غداة فـــرّت
إلى نعش الشهيد بن الشهيــد
بنات النعش حول النعش حـامت
وقـد دارت على بدر السّعــود
فهــذى قـبّلــت كفـا خــضيبــا
وشمّت تلك وردا في الخدود
وزينب قــابلـت ليلــى وقــالــت
أعيــد النّـوح يا ليلــى أعيـــد
على حلـو الشبــاب وبـدر تـــمّ
شبيــه محمــد خيـر الجدود
بأبى الحسين وفي مهابة أحمد
أقمار تمّ نالها خسـف الـــرّدى
واغتالها بصروفه الزمن الـرّدي
شتّـى مصائبهم فبيــن مكــابــد
سمـاً ومنحور وبيــن مصفّــد
سل كربــلاكم مهجة لمحمــد
نهبت بها وكم استجذت من يد
وعليّ قدر من ذؤابـــة هـاشــم
عبقت شمائله بطيب المحتــد
جمع الصفات الفرد وهي تراثـه
عن كلّ غطريف وشهم سيّـد
في بأس حمزة في شجاعة حيدر
بأبى الحسين وفي مهابة أحمد
وتراه في خلق وطيب خلائــــق
وبليــغ نطـق كالنبــيّ محمـد
يرمي الكتائب والفلا عمّت بها
في مثلها من عزمـه المتوقـــد
أفديـــه مــن ريحانــة ريّانـــــة
جفّت بحرّ ضمــاً وحـرّ مهند
ويئوب للتوديع وهـو مجـاهـــد
ضمأ الفؤاد وللحديد المجهـد
صادي الحشا وحسامه ريّـان مـن
ماء الطلــى وغليله لــم يبـــرد
يشكو لخير أب ضماه وما أشتكى
ضمأ الحشى الاّ إلى الضامي الصـدي
فانصاع يؤثــره عليــه بريقـــه
لو كـان ريقـــه لــم يجمــد
كلّ حشاشته كصالية الغضــــا
ولسانه ضماً كشقـــة مبــرد
ومذ إنثنى يلقى الكريهة باسمــاً
والموت منه بمسمع وبمشهد
لفّ الوغى وأجالها جول الرحى
بمثقــف مـن بــأســه ومهنــد
لــم أنســه متعمداً بشبا الضّبـــا
بين الكماة وبالأسنة مرتـــدي
خضبت ذوابله ولكــن مــن دم
فاحمرّ ريحان الفداء الأسود
ماء الصبا ودم الوريـــد تجاريـا
فيه ولاهب قلبــــه لم يخمــد
ويح الردى يا بئسما غال الردى
منه هلال دجــى وغــرة فرقد
يا نجعة الحيّين هاشـم والنــدى
وحمى الذمارين العلى والسؤدد
فلتذهب الدنيا على الدنيا العفــا
مـا بعد يومك من زمان أرغد
فالنمت موت عقبان أباة
سمــع السبــط هاتفــاً علويّــــاً
ينقل الجرش عن لهاة الثكإلى
قال يــا سائرين شطر المنايــــا
عجّلوا فالخلود يشكو المـلالا
اتسرع الكوب والأرائك صفت
وتهادت حور الجنــــان دلالا
قد نعينـا ولا مــردّ لحكــم اللّــ
ــه فلنقصد المنــون عجــــالا
قال نجل الحسيـــن وهو علــي
يا أبي هل نشدت الا الكمــالا
أو لســت الــذي يؤيـد حقــاً
رافعـاً رايـــة الرســـول مثـــالاً
هتف الشبل فلنمت مـوت عقبـ
ــان أباة ، ولا نمــوت ذلالا
دمعت مقلة الحسيــن ابتهاجـــاً
بـــوليـد يشــــرّف الانجـــالا
فاسمه كاســم جــــدّه أتــــراه
ذلـك الضوء من شعاع ســالا
ان يكــن ثغــــره غلالــــة ورد
انّ في كهف صـدره رئبــــالا
فاذا نــاء زنده الغــــضّ بالهنــ
ــديّ عضبــاً يفرّق الأوصــالا
فهو يستمرئ الممـات شهيــداً
طالبيّــا ما خيّــب الآمــالا
بُني حرام عليّ الرقاد
بنــي اقتطعتــك مـن مهجتـــي
عـلام قطعت جميـل الوصــال
بنــي عراك خســوف الـــردى
وشأن الخسوف قبيل الكمـال
بنــــي حـرام علـيّ الرقـــاد
وأنت عفيــــر بحـر الرمــــال
بني ابيت سوى القاصــــــرات
وخلفت عندي سمر العوالــي
بني بكتــك عيـــون الرجــــال
ليـــوم النزيــل ويــــوم النــزال
بكتك بنـي صفــات الكمـــال
وغضّ الشباب وذات الجمــال
عجلـــت لحوض ابيــك النبـــي
وسارعت بعد الظمــأ للـزلال
سيرثيك منّـي لســـان السنــــان
بنظم قلــوب عيـون الرجـــال 13
كانت القافلة تطوي الطريق الممتد بين مكة والكوفة بسرعة لاستباق الاحداث التي تنذر بها الظروف .
موت معاوية ، واستخلاف يزيد ، وتململ الامة الاسلامية من لحظة تحول الخلافـة إلى ملك عضـوض ، ذلك التحول الذي حذّر منـه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ..
لقد خرج الإمام الحسين ( عليه السلام ) من مكة يوم الثامن من ذي الحجة حيث يتجه وفود الرحمن إلى منى فعرفات لأداء الحج الأكبر . وكانت حركته صدمة هائلة للنظام السياسي الذي بناه الحزب الأموي طيلة اربعين سنة . كما كانت فرصة كبيرة للمؤمنين للجهاد من اجل اعادة الأمة ونظامها السياسي إلى الصراط المستقيم ذلك الصراط الذي رسمه الوحي وبيّنه الرسول . ومضى عليه الإمام علي وأيده المخلصون من قادة المسلمين .
تتوهج شمس الظهيرة في أيام الربيع في ذلك الطريق الصحراوي والإمام الحسين ( عليه السلام ) قد بانت على وجهه الشريف قسوة الأحداث . فاسرع إليه الشيب ، والحركة السريعة تجهد الإنسان فمن الطبيعي ان يغفو الإمام فوق قربوس فرسه ..
انتبه مرعباً ، وهو يقول انا لله وانا إليه راجعون ..
كان ولده علي الأكبر ومرافقه غير بعيد عنه . انه كان يلاحـظ والـده . ولعله كان يحرسه ، بينمـا كان العباس ( عليه السلام ) يحرس قافلة النساء .
فاسرع إليه قائلاً ممَّ استرجعت يا أبه ؟ لم يخف الإمام عن ولده حقيقة نومه بالرغم من معرفته بايمان علي الأكبر بامامة والده وعصمته وان منامه حق .
ولكنـه لـم يخف عنه منامــه علمــاً منه بمدى رسوخ الايمان عند ولده فقال له : رأيت كأن هاتفاً يقول : القوم يسيرون والمنايا تسير وراءهم .
فالرحلة ليست ـ في واقعها ـ إلى الكوفة . و إقامة حكم إسلامي فيها . و إزاحة الطاغوت يزيـد ، وحزبه الأموي . بالرغم من ان ذلك هو المخطط المرسوم والمرتقب عند الناس بل وحتى عنـد الكثير ممن يرافق قافلة الحسيـن ( عليه السلام ) .
كلاّ انما هي رحلة الشهادة .. رحلة المنايا التي تلاحق الركب كله . استمع علي الأكبر إلى والده بأدب جم فلما سكت بادره قائــلاً : يا أبه أفلسنا علـى حق ؟
قال : بلى . يا بني والذي إليه مرجع العباد .
قال : إذاً لا نبالي بالموت اوقعنا على الموت او وقع الموت علينا 1 .
تلك الكلمة كانت منتظرة من سلالة الرسالة حفيد أميـر المؤمنيـن علي ( عليه السلام ) وكانت ـ في ذات الوقت ـ هدية ثمينة قدمها الولد لوالده في مقابل أتعابه عليه وجهده في تربيته .
انها كانت صدى لصـوت الحسين ( عليـه السلام ) . ذلك الصوت الالهي الذي آنس علياً منذ ولادته . صـوت الحق ، صوت الإيمان بالله لا بالطاغوت ، والتسليم للوحـي لا للهوى ، وحب الحق لا المصالـح ..
تلك الكلمة كانت مرآة للروح الإيمانية التي انسابت من ضمير سبط رسول الله ابن فاطمة الزهراء وربيب أمير المؤمنين ، إنسابت تلك الروح في وعي سلالة الرسالة ، علي الأكبر منذ استهلاله .
بلى الإنسان سيرة ورسالة . سيرة الإنسان تمتد عبر حيـاته بينما تتجلى رسالته في موقف واحد او بضعة مواقف في حياتـه . ورسالــة الإنسان هـي خلاصة سيرتـه .. ولأن سيرة علي الأكبر كانت الهية جاءت رسالته الهية ايضاً . وتجلت في تلك الكلمة الرائعـة التي اشبهت كلمة جده الإمام علـي ( عليه السلام ) في ليلة المبيت إذ سأل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حينما أمره بالمبيت على فراشه المحاط بسيوف قريـش ، سأله أنت تسلم قال : بلى ، إنه لم يسأل عن سلامة نفسه بل عن سلامة الرسول .
وكما اشبهت كلمة جده الإمام علي ( عليـه السـلام ) عندمــا أخبره النبي بشهادته . حين سأله أفي سلامـة مـن ديني قال : بلى ، فحمد الله .
وهي بالتالي صدى لكلمة والده الإمام الحسين ( عليه السلام ) حينما قـال :
" إني لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برمــا " .
يا أبتاه إئذن لي بالقتال
وأوغل ركب الرسالة في الصحراء غير آبه بالمنايا التي كانت تلاحقهم . ولعل فتيان بني هاشم الذين شهدوا حوار الإمام الحسين ( عليه السلام ) مع علي الأكبر تباشروا بالشهادة ، اذ انه منذ صلح الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) مع معاوية . وتوقف الحرب الساخنة ، قلّت فرص الشهادة لبني هاشم . وكانت تلك أسرة قد اكرمها الله بها. وكان من الصعب على فتى هاشمي ان يفكر انه يموت على فراشه . ولا يحظى بالقتل في سبيل الله . إلا انهم اليوم يجدون فرصة ذهبية . الشهـادة تحت راية أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) سبــط الرسالة وسيد شباب أهل الجنة . إنهـا أعظم أمنيـة للمسلم وبالذات لأبناء الرسالة .
وهكذا يفترض أن تكون كلمة الإمام ( عليه السلام ) وجواب ابنه قد اشعلت في نفوس بني هاشم جذوة الإيمان . وأخذوا يستعدون للقاء الله ..
وتوقف الركب في ارض كربلاء . حيث كانت واقعة عاشوراء حديثاً معروفاً في بيت الوحي . منذ ان جلس الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في بيت فاطمة الزهراء ابنته الصديقة يحيط به الإمام أمير المؤمنين والحسنان .. وابتسامة الشكر وبشرى الحمد تعلوان محيـاه .
ولِمَ لا يسر فهذه ابنته سيدة نساء العالمين . وهذا وصيه سيد الخلق بعد الرسول . وهذان سبطاه سيدا شباب أهل الجنة . انها اعظم نعمة حباها الله سبحانه لرسوله . وكان سروره بهم عظيماً . ولكن جبرئيـل أخبره بما يجري على أهل بيتـه من بعده وبالذات بمصرع الحسين ( عليه السلام ) ، فقــام النبــي إلى زاوية البيت فصلى ركعات فلما كان في آخر سجوده بكى بكاءً شديداً فلم يسأله أحد منا ( الحديث مأثور عن أميـر المؤمنيـن عليـه السلام واللفظ مروي عنه ) اجــلالاً و إعظامـاً لـه .
فقـام الحسين في حجـره وقال له : يا أبه لقد دخلت بيتنا فما سررنــا بشيء كسرورنا بدخولك ثم بكيت بكاءً غمنا فما ابكاك ؟ فقال : يا بني أتاني جبرئيل ( عليه السلام ) آنفـاً فأخبرنـي انكم قتلى وان مصارعكم شتـى 2 .
وفي مناسبـات عديـدة اخرى أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بواقعــة الطف التــي تحولت إلى عهـد في بيت الرسالـة . وبالذات عند اقتراب رحيل فاطمة الـزهراء ( عليها السلام ) حيث قالـــوا انها وصّت ابنتهــا زينب ( عليها السلام ) بالحسين في واقعة كربلاء . وعند شهادة الإمام علي ( عليه السلام ) حيث سألته ابنته عن حديث كربلاء ، فقال لها وهو في ساعاته الأخيرة : الحديث كمـا حدثتك أم ايمن . ثم اخبرها بمصيبة سبيها . وعند وفاة الإمام المجتبى ( عليه السلام ) كانت مناسبة للحديث عن يوم الحسين ( عليه السلام ) حيث قال سلام الله عليه : ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ..
فلما توقفت قافلة الشهادة في الطف . وعرف الجميع ان اسم تلك الأرض كربلاء ، تماوجت في وعيهم كل تلك الأحاديث فهاهي الحقيقة ماثلة بكل عنفوانها وعظمتها ، انها كربلاء ؛ ارض الشهادة ، ارض الملحمة الكبرى ، ارض البطولات النادرة ، ارض الصراع بين الحق الذي ينتصر بالرغم من شهـادة دعاتـه . والباطل الذي يتلاشى بالرغم من نشوة اعوانه .
في ليلة عاشوراء ، حيث اجتمع المجاهدون من حملة رسالة الوحي . كان بنو هاشم يطالبون بالمبادرة إلى المعركة غداً . ليسبقوا الأصحاب إلى شرف الشهادة . ولكن الأصحاب وفيهم البقية من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبوا إلاّ ان يفدوا أهل بيت الرسالة بأنفسهم . واتفق الجميع على ذلك ..
وفـي يوم الواقعـة وبعد أن أبلى أصحاب الإمام في نصرة الحـق بـلاءً حسنـاً . واستشهدوا جميعاً ، بادر علي الأكبر ( عليه السلام ) بالمثول أمام والده يستأذنه في البراز ..
كــانت تلك ساعــة بالغة الروعة .. لقد وقـف الفتــى الرشيد مستطيلاً على الزمن ، متحدياً الحياة الدنيا ، مستشرفاً آفاق الآخرة . وقف امام والده يطلب منه الإذن بأن يقتحم غابة الذئاب حيث تتموج غمرات الموت ..
لم يتردد الإمام الحسين ( عليه السلام ) في الاذن له . بل وتشجيعه ، بالرغم من عمق حبه له وعظيم شفقته عليه ، وبالغ منزلته عنده . إنه يمثل أسمى تطلعاتـه في الدنيا أن يبقى علي يمثل خطه ويحمي قيمه . ولكنه يعرف أن حماية القيم انما هي ببذل دمه . وتمزق جسده أمام عيني أبيه . وهكذا أذن له ..
خلقاً برسول الله
وسقاه جده بالكأس الأوفى
مشى علي الأكبر إلى الميدان . كانت المعركة ابداً غير متكافئة .كان عدد المقاتلين في جبهة النفاق ثلاثين ألفاً على أقل الروايات .
ولكن علياً كان بطلاً ليس في قوته الجسدية الفائقة وتمرسه بفنون القتال فقط . ولكن ايضاً في عزمه وتوكله وبحثه عن الشهادة القاهرة . كان يريد الموت في سبيل الله ولكن يسبقه أخذ الثار من عدوه . موت المقتدر الظافر . وليس موت الذليل المقهور .
ولم تكن المعركة بعيدة عن موقع القيادة حيث يقف الإمام الحسين ( عليه السلام ) مع الثلة الباقية من أهل بيته يراقبها عن كثب .
وضع سيفه فيهم . فأرواه بدماءهم . واعاد إلى المعركة صورة هجمات جـده الإمام علي ( عليه السلام ) .
حتى ألهم الشعراء معركته فقال بعضهم :
ومــا ادري اعــزي أم اهنــئ
عـلـي المرتضى بابــن الشهيــد
علي فــي الطفوف أقـام حربــاً
حربـك يا علـي علـى إليهــود
وكان في قتاله يرتجز ويقول :
أنا علي بن الحسيــن بـن علـي
من عصبـة جد أبيهـم النبـــي
والله لا يحكم فينــا ابن الدعــي
أطعنكم بالرمح حتــى ينثنــي
ضـرب غـلام هاشمــي علـوي
وقتل منهم مقتلة عظيمة قيل أنه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلاً 3 .
فمن بعد ان جنـدل كل من برز إليه من أبطال الكوفة كأمثال بكر بن وائل عاد من المعركة ؛ لا لكي يطالب أباه وإمامه بالجائزة ، فعلي يعرف ان جائزته الجنة والرضوان . ولكن لعله ليستريح ، وليتقوى على الأعداء ، وربما ايضاً ليثبت هيمنته على ارض المعركة فهو يقتحمها متى شاء . ويعود منها أنى اراد .. وهدف آخر كأن علياً كان يسعى إليه هو إلقاء نظرة أخيرة إلى والده . ان حب علي الأكبر لوالده كان عميقاً نابعاً من حبه لربه فهذا الحسين إمامه وحجة الله عليه . وقائده إلى ربه وولي أمره الإلهي . وقف أمامه وقال بكل احترام :
يا أبه العطش قد قتلني وثقل الحديد قد أجهدني فهل إلى شربة مـاء من سبيل أتقوى بها على الأعـداء ؟
فبكى الحسين وقال : يا بني يعز على محمد وعلى علي بن أبي طالب وعليَّ أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك يا بني هات لسانك ، فأخـذ بلسانه فمصه ودفع إليه خاتمـه وقال : " امسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوك ، فإني أرجو انك لا تمس حتى يسقيك جـدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً " 4 .
أولياء الله يتسابقون إلى الدرجات العلى عنده . وهكذا يبشر الإمام ( عليه السلام ) ولده بالكأس الأوفى عند جده والذي يشربه قبل المساء ؛ أي انه بالشهادة . ومن ثم بالفوز بالشراب الذي فيه الارواء الخالد .
وهكذا استمد البطل من قائده العزيمة وعاد إلى المعركة بقلب صلب ، وروح طافحة باليقين ، وهنا أخذ يرتجـز قائــلاً :
الحرب قد بانت لها الحقــائــق
وظـهـرت من بعدهـا مصــادق
واللـه رب العـــرش لا نفــارق
جمـوعكـم او تغمـد البـــوارق
فلم يزل يقاتل حتى قتل تمام المائتين 5 .
كـان علي الأكبر عازماً على الشهادة ، ولذلك فـإن قتاله كان قتال البطل المستميت ، والشجاعة الفائقة . وهكذا استطاع عدوه ( منقذ بن مرة العبدي ، او مرة بن منقذ على اختلاف الرواة ) إستطـاع ان يغتاله ويسدد ضربة على رأسه صرعتــه ..
وبمجرد ان رأى اعداءه الموتورون ان البطل قد صـرع ، احتوشوه وانهالوا عليه ضرباً بالسيوف . فاعتنق علي فرسه ، ومن عادة الأفـراس العربية ان تفهم اشارة الاعتنـاق . وتعيد بالفرسان عندها إلى موطن آمن ولكن الجيش المعادي كان قد احاط بعليّ الأكبر ، وتدفق الدماء من رأسه على عيني الجواد منعه من الاهتداء إلى معسكر الحسين ، فحمله إلى عسكر الأعداء الذين دعاهم الحقد واللئامة إلى ان ينهالوا عليه بسيوفهم ويقطعوه إرباً إرباً 5 .
فـي هـذه الفترة العصيبة ، لم يطلب علي النجدة من أبيـه . وتحمّل كل تلك الطعنات بصبر ويقين . ولكن عندما بلغت روحه التراقي قال رافعاً صوته :
يا أبتاه هذا جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً وهو يقول : العجل العجل !! فـإن لك كأساً مذخورة حتى تشربها الساعـة 6 .
تلك كانت الكلمات الأخيرة التي نطق بها علي الأكبـر ( عليه السلام ) . وكانت تعبيراً صادقاً عن إيمانه وعرفانه ، ودرجات يقينه . وكانت زينب الكبرى ( عليها السلام ) تراقب المعركة عن كثب فلما سقط علي الأكبر وسمعت صوته خرجت تنادي يا حبيباه ، يا ثمرة فؤاداه ،يا نور عيناه ، فأقبلت حتى وصلت إلى جثمان الشهيد فانكبت عليه فجاء الحسين ( عليه السلام ) فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط 7 .
واقبل الإمام الحسين إلى فتيان بني هاشم وقال : احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه فجاءوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه 8 .
ويظهـر من ذلك أن علي الأكبر كان أول شهيد من بني هاشـم . كما جاء في حديث مأثور عن الإمام الباقـر ( عليه السلام ) 6 .
التسابق إلى الجنة شعار كربلاء
بعد ان اكتمل عدد الشهداء ، وبقي الإمام الحسين وحيداً ألقى نظرة عليهم فاذا بهم صرعى مضرجين بدمائهم ، قد مزقتهم حراب الأعداء ، فتنفس الصعداء و ألقى خطاباً دوى عبر الآفاق وعلى امتداد العصور :
" يا مسلم بن عقيل ويا هاني بن عروة ويا حبيب بن مظاهر ويا زهير بن القين ويا يزيد بن مظاهر ويا فلان بن فلان يا أبطال الصفا ويا فرسان الهيجا .. مالي أناديكم فلا تجيبون وادعوكم فلا تسمعون انتم نيام أرجوكم تنتبهون أم حالت مودتكـم عن إمامكم فلا تنصروه هذه نساء الرسـول ( صلى الله عليه وآله ) لفقدكم قد علاهنَّ النحول فقوموا عن نومتكم أيها الكرام وادفعوا عن حرم الرسول الطغـاة اللّئـام . ولكن صرعكم والله ريب المنـون . وغـدر بكم الدّهر الخؤون ، و إلّا لما كنتم عن نصرتي تقصرون ولا عن دعوتي تحتجبون فها نحن عليكم مفتجعون وبكم لاحقون فإنا لله وإنا إليه راجعون ثم أنشـأ يقول :
قــوم إذا نـودوا لدفع ملمَّــةٍ
والخيـل بيــن مدعّس ومكردس
لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا
يتهـافتـون على ذهاب الأنفس
نصروا الحسيـن فيا لها من فتيـة
عافوا الحياة والبسوا من سندس 9
وقبل ئذ شهد السبط الشهيـد لأهل بيته وأصحابه بشهادة حق حين قال فيهم ليلـة عاشـوراء :
أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ، ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ وأوصل من أهل بيتي فجزاكـم الله عني خيراً 10 .
لم تكن تلك مدحة باطلة ، حاشا لله ، انها كانت محض الحق . ومرّ الواقع .. لقد كان الصفوة الرسالية التي اصطفاها الحسين ( عليه السلام ) للشهادة معه . رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . وكان إيمانهم ويقينهم وولاءهم لله سبحانه وللرسول وأهل بيته عليه وعليهم السلام . هو الذي حملهم إلى كربلاء . ولذلك فقد كان تسابقهم إلى الجنة شعارهم الأسمى . وإنّ ذلك هو المعيار لمعرفة مدى يقين المؤمن وصدق كلماته .
في ليلة الواقعة يجتمع الإمام بأصحابه فيطلب منهم ان يتخذوا ليلتهم تلك جملاً ، ويتفرقوا عنه فإن القوم لا يطلبون غيره . فقال لهم : واني لأظن يوماً لنا من هؤلاء ألا واني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم حرج منّي ولا ذمام . هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً 11 .
فقام أحدهم وقال :
اما والله لو علمت أني اقتل ثم احيى ثم أحرق ثم احيى ثم اذرى ، يفعل ذلك بي سبعين مرة ، ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك ، فكيف لا افعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها ابداً 12 .
ويقـوم ابن أخيه القاسم بن الحسن ( عليه السلام ) وكان غلاماً . فيسأل عمّه : هل هو ممن يقتل ؟ وقبل أن يجيبه الإمام يسأله : كيف الموت عندك . فيقـول : في نصرتك أحلى من العسل ..
وفي يـوم الواقعة حينما يطلب القاسم الأذن بالهجوم يعتنقه السبط الشهيـد ويبكيان ساعة ثم ينطلق كالصقر ويشق صفوف الجيش المعادي بسيفه ويقتل منهم جمعاً . فينقطع شسع نعلـه ، فإذا به ينحني لإصلاحه غير آبه بحراب الذئاب الموتورة من حوله .. انه يتسابق إلى الجنة . ومطيته الشهـادة .
وهذا عابس بن شبيب الشاكري .. تقول الروايات عنه انه كان أشجع الناس فلما برز قال احدهم : أيها الناس هذا أسد الأسود ، هذا ابن شبيب ، لا يخرجن إليه أحد منكم فأخذ ينادي ألا رجل ؟ ألا رجل ؟
فقال عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة من كل جانب ، فلما رأى ذلك ألقى درعه و مغفره ثم شدّ على الناس فوالله لقد رأيت يطرد أكثر من مأتين من النــاس ثم انهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل 9 ويقال انه لمّا تجرد من اسلحته قال أحدهم له : أجننت يا بن شبيب ؟ فقال : حب الحسين أجنني .
وفي ليلة العاشـر : يتمازح القوم لانهم يعلمون باقتراب موعد الجنة منهم . فغداً سيكونون عند ربهم وعنــد من سبقوهم إليه سبحانه . تقول الرواية : إن برير بن خضير الهمداني ، وعبد الرحمن بن عبد ربه الانصاري وقفا على باب الفسطاط فجعل بريـر يضاحك عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن يا بريــر أتضحك ؟ ما هذه ساعة باطل ، فقال برير : لقد علم قومي أنني ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً ، وإنمـا افعل ذلك استبشاراً بما نصيـر إليه ، فوالله ما هو إلاّ ان نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهـم ساعة ثم نعانق الحور العيـن 9 .
إن هذه الـروح التي تجلت في شهــداء كربـلاء اعطت امتنا الاسلاميـة وبالذات الموالين لآل الرسول منهم قوة ومناعة واقتداراً لان كل مخلص فيهم يتمنى لو ختمت حياته بالشهادة والتحق بأصحاب الحسين ( عليه السلام ) . وإنهم حين يقفون على اضرحة الشهداء يقولون :
يا ليتنا كنا معكم فنفوز معكم فوزاً عظيماً .
إن روح الشهادة هـي التي يستمدها المؤمن من سيــرة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأهل بيته وأصحابه . ومن هذا المنطلق يصر المؤمنون على إقامة الشعائر الحسينية وبالذات في العشر الأول من شهر محرم الحرام . فترى كربلاء تتألق من جديد . وترى عاشوراء تضيء درب السالكين إلى الحق . وتعطــي الرساليين دفعات من الوعي والعـزم ..
زيـارة الشهيـد
السلام على أول قتيل من نسل خير سليل
لقد جذبت عظمة شخصية علي الأكبر (عليه السلام ) القلوب واستقطبت الأرواح .
صحيح أن علي الأكبر كجسد قد قطعته سيوف أعداء الله ، وقــد وري التـراب إلى جنب مرقــد أبيه الحسيـن ( عليه السلام ) في كربلاء . إلاّ أن نهجه ومآثره لا زالت خالدة ، تشع نوراً ليهتدي بها كل من يعتصم بالحق ويبرأ من الباطل .
وهاهـم المؤمنون يتعاهدون زيارته ، ليجددوا العهد معه علـى مواصلة مسيرة الهدى ، والاستقامــة على دين الله ،والوفاء بعهده ، والطاعة للقيادة الرسالية .
وفي آداب زيارته وردت مجموعة نصوص على لسان أئمة الهدى عليهم السلام ؛ نذكرها هنا لتبيان علو شأن علي الأكبر ، ومكانته المتميزة ...
1 ـ جاء في كتاب مصباح الزائر لابن طاووس قال : وتأتـي إلى رجلي الحسين فتقف على علي بن الحسين وتقول :
السلام عليك أيها الصديق الطيب الطاهر ، والزكي الحبيب المقرب ، وابن ريحانة رسول الله . السلام عليك من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته . ما أكرم مقامك ، واشرف منقلبك . اشهد لقد شكر الله سعيك ، وأجزل ثوابك وألحقك بالذروة العالية ، حيث الشرف كل الشرف ،وفي الغرف السامية في الجنة فوق الغرف ، كما من عليك من قبل وجعلك من أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
والله ما ضرك القوم بمـا نالوا منك ومن أبيك الطاهر صلوات الله عليكما ، ولا ثلموا منزلتكما في البيت المقدس ، ولا وهنتما بما أصابكما في سبيل الله ، ولا ملتمـاً إلى العيش في الدنيا ، ولا تكرهتما مباشرة المنايا . إذ كنتمـا قد رأيتما منازلكما في الجنة قبل ان تصيرا إليهـا ، فأخترتماها قبل أن تنتقلا إليها .
فسررتم وسررتم فهنيئاً لكم يا بني عبد المطلب التمسك بالنبي وبالسيد السابق حمزة بن عبد المطلب ، اذ قدمتما عليه وقد لحقتما بأوثق عروة وأقوى سبب . صلى الله عليك أيها الصديق الشهيد المكرم والسيد المقدم الذي عاش سعيداً ومات شهيداً وذهب فقيداً فلم تتمتع من الدنيا إلاّ بالعمل الصالح ولم تتشاغل إلاّ بالمتجر الرابح .
اشهد انك من الفرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلقهم ، أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . وتلك منزلة كل شهيد ، فكيف منزلة الحبيب إلى الله ، القريب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله .
زادك اللــه من فضله في كل لفظـة ولحظـة وسكون و حركـة مزيـداً يغبطه ويسعد به أهل عليين . يا كريم الأب ، يــا كريم الجـد إلى ان يتناهـى رفعكـم الله من ان يقـال رحمكم الله وافتقر إلى ذلك غيركم من كل منخلـق اللـه .
صلوات الله عليكم ورضوانه ورحمة الله وبركاته ، فاشفع لي أيها السيد الطاهر إلى ربك في حط الأثقال عن ظهري وتخفيفها عني وارحم ذلي وخضوعي لك وللسيد ابيك صلى الله عليكما .
ثم انكب على القبـر وقل : زاد الله في شرفكم في الآخـرة كما شرفكم في الدنيا ، وأسعدكم كما اسعد بكم ، واشهد انكم أعلام الدين ونجوم العالمين .
2 ـ ذكر الشيخ الجليل ابن قولوية في كامل الزيارة ص 239 بسند صحيح عن أبي حمزة الثمالي ؛ أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) علمه كيف يزور الإمام الحسين ( عليه السلام ) . إلى أن قال له : ثم صر إلى علي ابن الحسين ، فهـو عند رجلي الحسين ، فإذا وقفت عليه فقـل :
السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله و بركاته ، وابن خليفة رسول الله وابن بنت رسول الله ورحمة الله وبركاته مضاعفة كلما طلعت الشمس أو غربت . السلام عليك ورحمة الله وبركاته .
بأبي أنت وأمي من مذبوح ومقتول من غير جرم ، بأبي وأمي دمك المرتقى به إلى حبيب الله ، بأبي أنت وأمي من مقدم بين يدي أبيك يحتسبك ويبكي عليك محترقاً عليك قلبه يرفع دمك إلى عنان السماء لا يرجع منه قطرة ولا تسكن عليك من أبيك زفرة حين ودعك للفراق . فمكانكما عند الله مع آبائك الماضين ، ومع أمهاتك في الجنان منعمين . أبرء إلى الله ممن قتلك وذبحـك .
ثم إنكب على القبر وضع يدك عليه وقل : سلام الله وسلام ملائكته المقربين وأنبيائـه المرسلين وعباده الصالحين عليك يا مولاي وابن مـولاي ورحمة الله وبركاتـه .
صلى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وأبنائك وأمهاتك الأخيار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
السلام عليك يا ابن رسول الله وابن أمير المؤمنين وابن الحسين ابن علي ورحمة الله وبركاته .
لعن الله قاتلك ولعن الله من أستخف بحقكم وقتلكم ، ولعن من بقي منهم ومن مضى . نفسي فداؤكم ولمضجعكم صلى الله عليكم وسلم تسليماً كثيراً .
ثم ضع خدك على القبر وقل : صلى الله عليك يا أبا الحسن ثلاثـاً .
بأبي أنت وأمي اتيتك زائراً وافداً عائذاً مما جنيت على نفسي وأحتطبت على ظهري . أسأل الله وليك ووليي ان يجعل حظي من زيارتك عتق رقبتـي من النار .
3 ـ روى الشيخ الكليني في الكافي عن يوسف الكناني عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : وتحول عند رأس علي بن الحسين فتقول : سلام الله وسلام ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة الله وبركاته . صلى الله عليك وعلى أهل بيتك وعترة آبائك الأخيار الأبرار الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
4 ـ جاء في كتاب مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ؛ ان صفوان الجمال استأذن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في زيارة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وسأله أن يعلمه ما يقول . إلى ان قال له : ثم صر إلى رجلي الحسين ، وقف عند رأس علي بن الحسين وقل : السلام عليك يا ابن رسول الله ، السلام عليك يا ابن نبي الله ، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين ، السلام عليك يا ابن الحسين الشهيد ، السلام عليك يا ابن الشهيد وابن الشهيد ، السلام عليك ايها المظلوم وابن المظلوم ، لعن الله أمة قتلتك ، ولعن الله أمة ظلمتك ، ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به .
ثم انكب على القبر وقبله وقل : السلام عليك يا ولي الله وابن وليه ، لقد عظمت المصيبة وجلت الرزية بك علينا وعلى جميع المسلمين . فلعن الله أمة قتلتك وأبرء إلى الله واليك منهم .
5 ـ جاء في كتاب البحار عن المزار الكبير ؛ ان صفوان الجمال علمه ابو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) كيفية زيارة الحسين ( عليه السلام ) ، وفيها قال : ثم تأتي إلى قبر علي بن الحسيـن ( عليه السلام ) فتقبله وتقول :
السلام عليك يا ولي الله وابن وليه ، السلام عليك يا حبيب الله وابن حبيبه ، السلام عليك يا خليل الله وابن خليله ، عشت سعيداً ومت فقيداً وقتلت مظلوماً ، يا شهيد ابن الشهيد عليك من الله السلام .
6 ـ وجاء في كتاب مصباح الزائر في زيارة اول رجب وليلته وليلة النصف من شعبان تقف على قبر علي بن الحسين وتقول :
السلام على أول قتيـل من نسـل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل . صلى الله عليك وعلى أبيـك إذ قال فيـك قتل الله قوماً قتلوك يا بني ، ما اجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول . على الدنيا بعدك العفـا .
اشهد انك ابن حجة الله وابن امينه ، حكم الله لك على قاتليك واصلاهم جهنم وساءت مصيراً ، وجعلنا يوم القيامة من ملاقيك ومرافقيك ومرافقي جدك وأبيك وعمك وأخيك وأمك المظلومة الطاهرة المطهرة .
أبرء إلى الله ممن قتلك وقاتلك ، واسأل الله مرافقتكم في دار الخلود ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
7 ـ عن مزار الشيخ المفيد في النصف من رجب توجه إلى علي بن الحسين وقل : السلام عليك يا مولاي وابن مولاي ، لعن الله قاتليك ولعن الله ظالميك . اني اتقرب إلى الله بزيارتكم وبمحبتكم، وابرء إلى الله من اعدائكم . السلام عليك يا مولاي ورحمة الله وبركاته .
8 ـ عن الشيخ المفيد وابن طاووس والشهيد الاول في عيدي الفطـر والأضحى تقف على علي بن الحسين وتقـول :
السلام عليك يا ابن رسول الله ، السلام عليك يا ابن خاتم النبيين ، السلام عليك يا ابن فاطمة سيدة نساء العالمين ، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين ، السلام عليك أيها المظلوم الشهيد . بأبي أنت وأمي ، عشت سعيداً ، وقتلت مظلوماً شهيداً .
9 ـ قالوا جميعاً في عرفة تقف على علي بن الحسين وتقول : السلام عليك يا ابن رسول الله ، السلام عليك يا ابن نبي الله ، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين ، السلام عليك يا ابن الحسين الشهيد ، السلام عليك أيها الشهيد بن الشهيد ، السلام عليك أيها المظلوم .
لعن الله أمة قتلتك ، ولعن الله أمة ظلمتك ، ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به . السلام عليك يا ولي الله وابن وليه ، لقد عظمت الرزية وجلت المصيبة بك علينا وعلى جميع المؤمنين ، فلعن الله أمة قتلتك وابرء إلى الله اليك منهم في الدنيـا والآخـرة .
يا كوكباً ما كان أقصر عمره
حكــم المنية في البرية جـاري
مـا هذه الدنيـا بدار قـــرار
بينا ترى الإنسان فيهــا مخبـرا
حتى يرى خبرا مـن الأخبــار
طبعت على كدر وأنت تريدهـا
صفـوا من الاقنـاء و الاكــدار
ومكلّف الأيــام ضـد طبـاعهــا
متطلب في المـاء جـذوة نــار
وإذا رجوت المستحيــل فانمـا
تبنـي الرجـاء على شفير هــار
فالعيـش نـوم والمنيـة يقظـــة
والمـرء بينهمــا خيـال ســار
فاقضـــوا مآربكم عجـالاً انمــا
أعمـاركم سفر مـن الاسفــار
وتراكضوا خير الشباب وحاذروا
أن تستـرد فـأنهــن عـــوار
والنفس إن رضيت بذلك أو أبت
منقـادة بـــأزمّـــة الاقـــــدار
لا تـأمــن الأيـام يومـا بعد مــا
غدرت بعتــرة أحمد المختـار
فجعت حسينـا بابنه من أشبـــه
المختار في خلق وفي أطــوار
لما رآه مقطّع الاوصـال ملقــى
في الثرى يذري عليه الــذّاري
نــاداه والاحشــاء تـلهـب
والمدامع تستهل بدمعها المدرار
يا كوكباً ما كان أقصر عمــره
وكـذا تكون كواكب الاسحار
وهل من شباب بعد شبه محمد
إلى مَ بأرزائـي أروح وأغتــدي
وتمشي بي الأيام مشيـة أرمـد
وأمسـي أسير النائبات على جوى
ونار الاماني في الحشا المتوجد
هلكت فيـا لله هل من مساعــد
بعيـش رغيد أو بموت مؤبـــد
لعمري موت ، لو يباع ويشترى
بذلت عليه كلما ملكت يـدي
ولم أبق في دار الهوان ولم أعـش
وأيام عمـري تنقضي بالتنكّــد
وقائلــة لمّا رأت ســوء طـالعـي
وأنّ بلوغ الموت غاية مقصدي
تقول لي : ارحم من شبابك بدءه
عليك ولا تهلك أسى وتجلّـد
فقلت لها :كفّي عن اللوم والأذى
فإني علـى الارزاء غيـر معــود
ولم انتفع يومـاً بشـرخ حبيبتـــي
وهل من شباب بعد شبـه محمد
أبعد عليّ الاكبر الطهر من سما
لأوج العلـى والمجد طالب سـؤدد
فلا ابيضّ وجه الدهر من بعد يومــه
ولازال في ليل من الخطب أسود
وإن انس لا أنساه عاطش مهجـة
تريب المحيا، فوق كثب وجلمد
قضى بعدما أعطى البسالة حقّها
بعضب يمـانـي جراز مجـــرّد
ودافع كالليث الهصور مشمّــراً
طليـق المحيّا عن كرائم أحمد
إلى أن أتاه السيف يهوى لرأسه
فخرّ صريعـاً، والاعادي بمرصد
ودار عليه القـوم من كـلّ جانب
بأسيافهم من أشـأم إثـر أنكــد
فنادى أباه الطهر يصرخ قائـلاً :
عليك سلام الله يا ابن محمـد
ولما أتاه السبـط يحنـو بظهــره
رآه علـى حـرّ الثرى المتوقّــد
فأرخى عليه الدّمع من جفن كامد
وأبدى عليه الوجد من قلب مكمـد
وأحنـى ضلوعاً مـن جوىً وصبابــة
عليـه بتقبيــل ورشـف مـــردد
عليّ عــزيــز أن أراك مـقطعــاً
صريعاً على البوغاء غير مـوسّـد
أيدري حسام شقّ رأسك أنـــه
بضربته قد شـقّ رأس محمـــد
شبيه محمد خير الجدود
و ما أدري أعــزي أم أهــنّـــي
علــي المرتضى بابن الشهيــد
فــطــوراً للـوصــيّ بـه أهنّــي
وأنظم مدحـه نظــم العقـــود
علـيّ بالطفـوف أقــام حربــاً
كحربـك يا علـي مع إليهــود
وقاتـل بكرهــم كقتــال عمــر
وجندلـه علـــى وجه الصعيــد
وصيّـر كربــلاء بــدراً وأُحـــداً
ونادى يا حروب الجدّ عودي
فطـوراً يــا علــيّ بــه أعــــزّي
وتبكـي العين كالعقد الفريـــد
فيـا نفس اذهبـي وجداً وحزنـــاً
ويا عيني بحمر الدمع جـودي
علـى حلو الشباب وبـــدر تــمّ
شبيــه محمـد خيــر الجــدود
كــأني بالحسيــن غدا ينـــادي
علينـا يا ليالي الوصل عــودي
رجوتك يـا عليّ تعيـش بعــدي
لتوسـد جثّتي رمــس اللحــود
وتمشي باكيا من خلف نعشـــــي
كما يبكـي الوليد على الفقيــد
ولــم أنـس النسـاء غداة فـــرّت
إلى نعش الشهيد بن الشهيــد
بنات النعش حول النعش حـامت
وقـد دارت على بدر السّعــود
فهــذى قـبّلــت كفـا خــضيبــا
وشمّت تلك وردا في الخدود
وزينب قــابلـت ليلــى وقــالــت
أعيــد النّـوح يا ليلــى أعيـــد
على حلـو الشبــاب وبـدر تـــمّ
شبيــه محمــد خيـر الجدود
بأبى الحسين وفي مهابة أحمد
أقمار تمّ نالها خسـف الـــرّدى
واغتالها بصروفه الزمن الـرّدي
شتّـى مصائبهم فبيــن مكــابــد
سمـاً ومنحور وبيــن مصفّــد
سل كربــلاكم مهجة لمحمــد
نهبت بها وكم استجذت من يد
وعليّ قدر من ذؤابـــة هـاشــم
عبقت شمائله بطيب المحتــد
جمع الصفات الفرد وهي تراثـه
عن كلّ غطريف وشهم سيّـد
في بأس حمزة في شجاعة حيدر
بأبى الحسين وفي مهابة أحمد
وتراه في خلق وطيب خلائــــق
وبليــغ نطـق كالنبــيّ محمـد
يرمي الكتائب والفلا عمّت بها
في مثلها من عزمـه المتوقـــد
أفديـــه مــن ريحانــة ريّانـــــة
جفّت بحرّ ضمــاً وحـرّ مهند
ويئوب للتوديع وهـو مجـاهـــد
ضمأ الفؤاد وللحديد المجهـد
صادي الحشا وحسامه ريّـان مـن
ماء الطلــى وغليله لــم يبـــرد
يشكو لخير أب ضماه وما أشتكى
ضمأ الحشى الاّ إلى الضامي الصـدي
فانصاع يؤثــره عليــه بريقـــه
لو كـان ريقـــه لــم يجمــد
كلّ حشاشته كصالية الغضــــا
ولسانه ضماً كشقـــة مبــرد
ومذ إنثنى يلقى الكريهة باسمــاً
والموت منه بمسمع وبمشهد
لفّ الوغى وأجالها جول الرحى
بمثقــف مـن بــأســه ومهنــد
لــم أنســه متعمداً بشبا الضّبـــا
بين الكماة وبالأسنة مرتـــدي
خضبت ذوابله ولكــن مــن دم
فاحمرّ ريحان الفداء الأسود
ماء الصبا ودم الوريـــد تجاريـا
فيه ولاهب قلبــــه لم يخمــد
ويح الردى يا بئسما غال الردى
منه هلال دجــى وغــرة فرقد
يا نجعة الحيّين هاشـم والنــدى
وحمى الذمارين العلى والسؤدد
فلتذهب الدنيا على الدنيا العفــا
مـا بعد يومك من زمان أرغد
فالنمت موت عقبان أباة
سمــع السبــط هاتفــاً علويّــــاً
ينقل الجرش عن لهاة الثكإلى
قال يــا سائرين شطر المنايــــا
عجّلوا فالخلود يشكو المـلالا
اتسرع الكوب والأرائك صفت
وتهادت حور الجنــــان دلالا
قد نعينـا ولا مــردّ لحكــم اللّــ
ــه فلنقصد المنــون عجــــالا
قال نجل الحسيـــن وهو علــي
يا أبي هل نشدت الا الكمــالا
أو لســت الــذي يؤيـد حقــاً
رافعـاً رايـــة الرســـول مثـــالاً
هتف الشبل فلنمت مـوت عقبـ
ــان أباة ، ولا نمــوت ذلالا
دمعت مقلة الحسيــن ابتهاجـــاً
بـــوليـد يشــــرّف الانجـــالا
فاسمه كاســم جــــدّه أتــــراه
ذلـك الضوء من شعاع ســالا
ان يكــن ثغــــره غلالــــة ورد
انّ في كهف صـدره رئبــــالا
فاذا نــاء زنده الغــــضّ بالهنــ
ــديّ عضبــاً يفرّق الأوصــالا
فهو يستمرئ الممـات شهيــداً
طالبيّــا ما خيّــب الآمــالا
بُني حرام عليّ الرقاد
بنــي اقتطعتــك مـن مهجتـــي
عـلام قطعت جميـل الوصــال
بنــي عراك خســوف الـــردى
وشأن الخسوف قبيل الكمـال
بنــــي حـرام علـيّ الرقـــاد
وأنت عفيــــر بحـر الرمــــال
بني ابيت سوى القاصــــــرات
وخلفت عندي سمر العوالــي
بني بكتــك عيـــون الرجــــال
ليـــوم النزيــل ويــــوم النــزال
بكتك بنـي صفــات الكمـــال
وغضّ الشباب وذات الجمــال
عجلـــت لحوض ابيــك النبـــي
وسارعت بعد الظمــأ للـزلال
سيرثيك منّـي لســـان السنــــان
بنظم قلــوب عيـون الرجـــال 13
- 1. بحار الأنوار ج 44 ص 367 .
- 2. بحار الأنوار ج 44 ص 234 .
- 3. بحار الأنوار ج 45 ص 43 .
- 4. بحار الأنوار ج 45 ص 45 .
- 5. a. b. المصدر ص 43 .
- 6. a. b. المصدر ص 44 .
- 7. المصدر ص 43 ـ 44 .
- 8. المصدر وتاريخ ابن الأثير ج 3 ص 293 .
- 9. a. b. c. المصدر .
- 10. المصدر ص 45 .
- 11. مقتل الحسين ( عليه السلام ) لأبي مخنف ص 133 .
- 12. بحار الأنوار ج 44 ص 393 .
- 13. كتاب : علي الأكبر سليل الحسين ، للسيد محمد تقي المدرسي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق