نص الشبهة:
ـ
هل صحيح أن يزيد بن معاوية هو الذي قتل الحسين ؟ فقد قالوا إن يزيداً لم
يأمر بقتله ، والذين قتلوه أشخاص موظفون عند يزيد ، فما رأيكم ؟
الجواب:
1 أولاً :
اتفق المحدثون والمؤرخون على أن يزيد بن معاوية أرسل إلى عامله على
المدينة أن يأخذ له البيعة جبراً من الحسين عليه السلام فإن أبى فليقتله !
ثم لما تخلص الإمام الحسين عليه السلام من حاكم المدينة ، وذهب إلى مكة ، أرسل إليه يزيد من يغتاله ولو عند الكعبة !
وعندما توجه الحسين عليه السلام إلى العراق بعث يزيد زياداً بن أبيه والياً على العراق ، وأمره أن يرسل جيشاً إلى الحسين ، ولا يقبل منه إلا أن يبايع ليزيد أو ينزل على حكمه فيه ! وأمره إن أبى أن يقتله ويوطئ الخيل صدره وظهره ، ويبعث إليه برأسه !
وفي هذه المدة التي امتدت أكثر من خمسة أشهر ، من نصف رجب حيث هلك معاوية ، إلى العاشر من شهر محرم ، كانت المراسلات بين يزيد وعماله في الحجاز والعراق متواصلة في قضية الحسين عليه السلام .
فالذي يدعي أن ابن زياد تصرف من نفسه بدون أمر يزيد ، هو جاهل أو مكابر !
ثانياً : العجب من هؤلاء الذين يحبون يزيد بن معاوية ، ويسلكون طريق المكابرة الوعر لتبرئته من دم الحسين عليه السلام !! فماذا أعجبهم في يزيد الذي شهد في حقه الثقاة أنه كان فاسقاً سكيراً يلعب بالكلاب و القرود ، ويترك الصلاة ، وينكح المحرمات !
ألا يعرفون أنه يكفي لمعرفة مسؤولية يزيد عن قتل الحسين عليه السلام أن يرجع إلى مصادر الحديث والتاريخ ، مثل تاريخ الإسلام للذهبي ، وتاريخ ابن كثير ، وهما حنبليان محبان لابن تيمية ، وغيرهما كالطبري ، وابن الأثير ، وابن خلدون ، وابن عساكر . بل إلى مجاميعهم الحديثية التي روت مخزيات يزيد !
لكن مصيبة هذه الحفنة المشككة جاءتهم من ابن تيمية الذي بلغ من تعصبه أنه حاول تبرئة يزيد ، وأغمض عينيه عن الأحاديث ومصادر التاريخ ، وعن آراء علماء المذاهب وأئمتهم !
قال في كتابه رأس الحسين 207 : ( إن يزيد لم يظهر الرضا بقتله وإنه أظهر الألم لقتله ، والله أعلم بسريرته ! وقد عُلم (!) أنه لم يأمر بقتله ابتداء ، ولكنه مع ذلك ما انتقم من قاتليه ، ولا عاقبهم على ما فعلوه إذ كانوا قتلوه لحفظ ملكه ! ولا قام بالواجب في الحسين وأهل بيته ، ولم يظهر له من العدل وحسن السيرة ما يوجب حمل أمره على أحسن المحامل ، ولا نقل أحد أنه كان على أسوأ الطرائق التي توجب الحد ! ولكن ظهر من أمره في أهل الحرة ، ما لا نستريب أنه عدوان محرم ) ! انتهى .
ومعنى كلامه الأخير أنه يستريب ويشك في أن قتل الحسين عليه السلام عدوان محرم ! كما حاول أن يبرئ يزيد باللف والدوران وزعم أنه يعلم أنه لم يأمر بقتل الحسين ابتداءً !!
ومعناه أنه أمر بقتله إن لم يبايع ، وليس ابتداء !!
لكن ابن تيمية نفسه حكم بجواز لعن يزيد لإحداثه في المدينة وقتله الصحابة غير الحسين عليه السلام ، فانظر إلى سوء التوفيق!
قال في كتابه رأس الحسين ص 205 : ( ويزيد بن معاوية قد أتى أموراً منكرة منها وقعة الحرة ، وقد جاء في الصحيح عن علي رضي الله عنه عن النبي ( ص ) قال : المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا . من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً . و قال : من أراد أهل المدينة بسوء أماعه الله كما ينماع الملح في الماء .
ولهذا قيل للإمام أحمد : أتكتب الحديث عن يزيد؟ فقال : لا ، ولا كرامة ، أوَ ليس هو الذي فعل بأهل الحرة ما فعل؟!
وقيل له : إن قوماً يقولون إنا نحب يزيد ! فقال : وهل يحب يزيد أحدٌ يؤمن بالله واليوم الآخر؟! فقيل : فلماذا لا تلعنه؟ فقال : ومتى رأيت أباك يلعن أحداً ) . انتهى .
ثالثاً : لا قيمة لمحاولة ابن تيمية تبرئة يزيد ، بعد أن حكم كبار علماء المذاهب بأن يزيداً هو الذي قتل الحسين عليه السلام وتبرؤوا منه وأفتوا بجواز لعنه ، وبعضهم أفتى بكفره !
وهذه بعض أقوالهم :
ألَّف ابن الجوزي وهو من كبار علماء الحنابلة كتاباً خاصاً في وجوب لعن يزيد والبراءة منه ، سماه ( الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد ) وقد أثبت فيه أن يزيدا هو الذي قتل الحسين عليه السلام وبين فيه فتوى إمام المذهب أحمد بن حنبل وغيره بلعن يزيد .
وقال القندوزي في ينابيع المودة : 3 / 33 : ( فإن ابن الجوزي في كتابه المسمى بالرد على المتعصب العنيد المانع من لعن يزيد :
سألني سائل عن يزيد بن معاوية ، فقلت له : يكفيه ما به . فقال : أيجوز لعنه؟ قلت : قد أجازه العلماء الورعون ، منهم أحمد بن حنبل ، فإنه ذكر في حق يزيد ما يزيد على اللعنة .
ثم روى ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى أنه روى كتابه المعتمد في الأصول بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل رحمهما الله قال : قلت لأبي : إن قوماً ينسبوننا إلى تولي يزيد ! فقال : يا بني و هل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله ، ولم لا يلعن من لعنه الله تعالى في كتابه ؟! فقلت : في أي آية ؟
قال : في قوله تعالى : ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ 2 فهل يكون فساد أعظم من القتل؟!
قال ابن الجوزي : وصنف القاضي أبو يعلى كتاباً ذكر فيه بيان من يستحق اللعن وذكر منهم يزيد ، ثم ذكر حديث : ( من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) .
وفي الكنى و الألقاب للقمي : 1 / 92 : ( قال السبط ابن الجوزي : ولما لعنه جدي أبو الفرج على المنبر ببغداد بحضرة الإمام الناصر وأكابر العلماء ، قام جماعة من الجفاة من مجلسه فذهبوا فقال جدي : ﴿ ... أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ﴾ 3 .
و حكى لي بعض أشياخنا عن ذلك اليوم أن جماعة سألوا جدي عن يزيد فقال : ما تقولون في رجل ولي ثلاث سنين ، في السنة الأولى قتل الحسين بن علي !
وفي الثانية أخاف المدينة وأباحها !
وفي الثالثة رمى الكعبة بالمجانيق وهدمها؟!
فقالوا نلعنه ! فقال فالعنوه !
وقال جدي في كتاب الرد على المتعصب العنيد : وقد جاء في الحديث لعن من فعل ما لا يقارب عشر معشار فعل يزيد ، ثم ذكر لعن الواشمات والمتوشمات والمصورين وآكل الربا وموكله ولعنت الخمرة على عشرة وجوه . انتهى .
و روى الهيثمي في مجمع الزوائد : 9 / 193 ، ووثق رواته ، قال : ( وعن الضحاك بن عثمان قال خرج الحسين بن علي إلى الكوفة ساخطاً لولاية يزيد بن معاوية ، فكتب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد وهو واليه على العراق : إنه قد بلغني أن حسيناً قد سار إلى الكوفة ، وقد ابتلى به زمانك من بين الأزمان وبلدك من بين البلاد ، وابتليت به من بين العمال ، وعندها تعتق أو تعود عبداً كما تعتبد العبيد ، فقتله عبيد الله بن زياد وبعث برأسه إليه فلما وضع بين يديه تمثل بقول الحصين بن حمام المري :
نفلق هاماً من رجال أحبة *** إلينا وهم كانوا أعقَّ وأظلم 4 .
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : 4 / 37 ، في ترجمة يزيد : ( كان قوياً شجاعاً ، ذا رأي وحزم وفطنة ، وفصاحة وله شعر جيد . و كان ناصبياً ، فظاً ، غليظاً ، جلفاً ، يتناول المسكر ، ويفعل المنكر . افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين ، واختتمها بواقعة الحرة ، فمقته الناس . ولم يبارك في عمره . وخرج عليه غير واحد بعد الحسين . كأهل المدينة قاموا لله ، و كمرداس بن أدية الحنظلي البصري ، ونافع بن الأزرق ، وطواف بن معلى السدوسي وابن الزبير بمكة ) . انتهى .
وقال الآلوسي في تفسيره : 26 / 73 في تفسير قوله تعالى : ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ 2 :
( من يقول إن يزيد لم يعص بذلك ، ولا يجوز لعنه فينبغي أن ينظم في سلسلة أنصار يزيد . وأنا أقول إن الخبيث لم يكن مصدقاً بالرسالة للنبي ( ص ) وإن مجموع ما فعله مع أهل حرم الله وأهل حرم نبيه ( ص ) و عترته الطيبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات ، وما صدر منه من المخازي ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر . ولا أظن أن أمره كان خافياً على أجلة المسلمين إذ ذاك ، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين ولم يسعهم إلا الصبر ...
إلى أن يقول : وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله على اليقين ، ولو لم يتصور أن يكون له مثل .
ثم قال : نقل البرزنجي في الإشاعة ، والهيثمي في الصواعق أن الإمام أحمد لما سأله ابنه عبد الله عن لعن يزيد قال : كيف لا يلعن من لعنه الله في كتابه ؟! فقال عبد الله : قرأت كتاب الله عز وجل فلم أجد فيه لعن يزيد ، فقال الإمام : إن الله يقول : ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ 2 ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ... ﴾ 5 . وأي فساد وقطيعة أشد مما فعله يزيد . ثم ذكر جزم وتصريح جماعة من العلماء بكفره ولعنه ، منهم القاضي أبو يعلى ، والحافظ ابن الجوزي .
ثم نقل قول التفتازاني : لا نتوقف في شأنه لعنة الله عليه وعلى أعوانه وأنصاره.
ثم نقل من تأريخ ابن الوردي والوافي بالوفيات لابن خلكان قول يزيد عند ورود نساء الحسين وأطفاله والرؤوس على الرماح وقد أشرف على ثنية جيرون ونعب الغراب :
لما بدت تلك الحمول و أشـرقت *** تلك الشموس على ربى جيرون
نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل *** فلقد قضيـت من النـبي ديوني
وعلق بقوله : يعني أنه قتله بمن قتل رسول الله يوم بدر ، كجده عتبة وخاله ولد عتبة و غيرهما ، وهذا كفر صريح … الخ . ) . انتهى .
وقال الشوكاني في نيل الأوطار : 7 / 147 : ( لقد أفرط بعض أهل العلم فحكموا بأن الحسين رضي الله عنه باغ على الخمِّير السكير الهاتك لحرمة الشريعة المطهرة ، يزيد بن معاوية لعنهم الله ! فيا للعجب من مقالات تقشعر منها الجلود ، ويتصدع من سماعها كل جلمود ! ) .
وقال الجاحظ في الرسالة الحادية عشر ص 398 : ( المنكرات التي اقترفها يزيد من قتل الحسين وحمله بنات رسول الله ( ص ) سبايا ، وقرعه ثنايا الحصين بالعود ، وإخافته أهل المدينة ، وهدم الكعبة ، تدل على القسوة والغلظة ، والنصب ، وسوء الرأي ، والحقد والبغضاء والنفاق والخروج عن الإيمان ، فالفاسق ملعون ، ومن نهى عن شتم الملعون فملعون ) .
وقال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب : 1 / 68 : ( قال التفتازاني في شرح العقائد النسفية : اتفقوا على جواز اللعن على من قتل الحسين ، أو أمر به ، أو أجازه ، أو رضي به ، والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك و إهانته أهل بيت رسول الله مما تواتر معناه وإن كان تفصيله آحاداً ، فنحن لا نتوقف في شأنه ، بل في كفره وإيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه ) .
وقال الشبراوي في كتابه الإتحاف بحب الأشراف ص 62 ، بعد أن ذكر أعمال يزيد : ( ولا يشك عاقل أن يزيد بن معاوية هو القاتل للحسين ، لأنه هو الذي ندب عبيد الله بن زياد لقتل الحسين ) .
معاوية هو المسؤول عن كل جرائم يزيد
قال السمهودي في وفاء الوفاء : 1 / 91 : ( و أخرج ابن أبي خيثمة بسند صحيح إلى جويرية بنت أسماء : سمعت أشياخ المدينة يتحدثون أن معاوية لما احتضر دعا يزيد فقال له : إن لك من أهل المدينة يوماً فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فإني عرفت نصيحته . فلما ولي يزيد وفد عليه عبد الله بن حنظلة وجماعة فأكرمهم وأجازهم فرجع فحرض الناس على يزيد وعابه ودعاهم إلى خلع يزيد فأجابوه ، فبلغ ذلك يزيد فجهز إليهم مسلم بن عقبة .. الخ ) .
وقال الحافظ ابن عقيل ( في النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ص 62 ) : ( قال المحدث الفقيه ابن قتيبة رحمه الله في كتاب الإمامة والسياسة ، والبيهقي في المحاسن والمساوئ ، واللفظ للأول : قال أبو معشر : دخل رجل من أهل الشام على امرأة نفساء من نساء الأنصار ومعها صبي لها ، فقال لها : هل من مال؟ قالت : لا والله ما تركوا لي شيئاً ! فقال : والله لتخرجن إليَّ شيئاً أو لأقتلنك وصبيك هذا !
فقالت له : ويحك إنه ولد أبي كبشة الأنصاري صاحب رسول الله ( ص ) ، و لقد بايعت رسول الله ( ص ) معه يوم بيعة الشجرة على أن لا أسرق ولا أزني ولا أقتل ولدي ولا آتي ببهتان أفتريه فما أتيت شيئاً فاتق الله ، ثم قالت : يا بني والله لو كان عندي شئ لافتديتك به !
قال : فأخذ برجل الصبي والثدي في فمه فجذبه من حجرها فضرب به الحائط فانتشر دماغه في الأرض!! قال فلم يخرج من البيت حتى اسود نصف وجهه وصار مثلاً!! وأمثال هذه من أهل الشام ومن مسلم نفسه كثيرة ! فمسلم في هذا كله منفذ لأمر يزيد ، ويزيد منفذ لأمر معاوية !
فكل هذه الدماء وكل هذه المنكرات الموبقات ودم الحسين ومن معه في عنق معاوية أولاً ، ثم في عنق يزيد ثانياً ، ثم في عنق مسلم وابن زياد ثالثاً !!
أفبعد هذا يتصور أن يقال لعله تاب ورجع ؟ كلا والله ولقد صدق من قال : أبقى لنا معاوية في كل عصر فئة باغية . فهاهم أشياعه وأنصاره إلى يومنا هذا يقلبون الحقائق و يلبسون الحق بالباطل : ﴿ ... وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا ... ﴾ 6 7 .
ثم لما تخلص الإمام الحسين عليه السلام من حاكم المدينة ، وذهب إلى مكة ، أرسل إليه يزيد من يغتاله ولو عند الكعبة !
وعندما توجه الحسين عليه السلام إلى العراق بعث يزيد زياداً بن أبيه والياً على العراق ، وأمره أن يرسل جيشاً إلى الحسين ، ولا يقبل منه إلا أن يبايع ليزيد أو ينزل على حكمه فيه ! وأمره إن أبى أن يقتله ويوطئ الخيل صدره وظهره ، ويبعث إليه برأسه !
وفي هذه المدة التي امتدت أكثر من خمسة أشهر ، من نصف رجب حيث هلك معاوية ، إلى العاشر من شهر محرم ، كانت المراسلات بين يزيد وعماله في الحجاز والعراق متواصلة في قضية الحسين عليه السلام .
فالذي يدعي أن ابن زياد تصرف من نفسه بدون أمر يزيد ، هو جاهل أو مكابر !
ثانياً : العجب من هؤلاء الذين يحبون يزيد بن معاوية ، ويسلكون طريق المكابرة الوعر لتبرئته من دم الحسين عليه السلام !! فماذا أعجبهم في يزيد الذي شهد في حقه الثقاة أنه كان فاسقاً سكيراً يلعب بالكلاب و القرود ، ويترك الصلاة ، وينكح المحرمات !
ألا يعرفون أنه يكفي لمعرفة مسؤولية يزيد عن قتل الحسين عليه السلام أن يرجع إلى مصادر الحديث والتاريخ ، مثل تاريخ الإسلام للذهبي ، وتاريخ ابن كثير ، وهما حنبليان محبان لابن تيمية ، وغيرهما كالطبري ، وابن الأثير ، وابن خلدون ، وابن عساكر . بل إلى مجاميعهم الحديثية التي روت مخزيات يزيد !
لكن مصيبة هذه الحفنة المشككة جاءتهم من ابن تيمية الذي بلغ من تعصبه أنه حاول تبرئة يزيد ، وأغمض عينيه عن الأحاديث ومصادر التاريخ ، وعن آراء علماء المذاهب وأئمتهم !
قال في كتابه رأس الحسين 207 : ( إن يزيد لم يظهر الرضا بقتله وإنه أظهر الألم لقتله ، والله أعلم بسريرته ! وقد عُلم (!) أنه لم يأمر بقتله ابتداء ، ولكنه مع ذلك ما انتقم من قاتليه ، ولا عاقبهم على ما فعلوه إذ كانوا قتلوه لحفظ ملكه ! ولا قام بالواجب في الحسين وأهل بيته ، ولم يظهر له من العدل وحسن السيرة ما يوجب حمل أمره على أحسن المحامل ، ولا نقل أحد أنه كان على أسوأ الطرائق التي توجب الحد ! ولكن ظهر من أمره في أهل الحرة ، ما لا نستريب أنه عدوان محرم ) ! انتهى .
ومعنى كلامه الأخير أنه يستريب ويشك في أن قتل الحسين عليه السلام عدوان محرم ! كما حاول أن يبرئ يزيد باللف والدوران وزعم أنه يعلم أنه لم يأمر بقتل الحسين ابتداءً !!
ومعناه أنه أمر بقتله إن لم يبايع ، وليس ابتداء !!
لكن ابن تيمية نفسه حكم بجواز لعن يزيد لإحداثه في المدينة وقتله الصحابة غير الحسين عليه السلام ، فانظر إلى سوء التوفيق!
قال في كتابه رأس الحسين ص 205 : ( ويزيد بن معاوية قد أتى أموراً منكرة منها وقعة الحرة ، وقد جاء في الصحيح عن علي رضي الله عنه عن النبي ( ص ) قال : المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا . من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً . و قال : من أراد أهل المدينة بسوء أماعه الله كما ينماع الملح في الماء .
ولهذا قيل للإمام أحمد : أتكتب الحديث عن يزيد؟ فقال : لا ، ولا كرامة ، أوَ ليس هو الذي فعل بأهل الحرة ما فعل؟!
وقيل له : إن قوماً يقولون إنا نحب يزيد ! فقال : وهل يحب يزيد أحدٌ يؤمن بالله واليوم الآخر؟! فقيل : فلماذا لا تلعنه؟ فقال : ومتى رأيت أباك يلعن أحداً ) . انتهى .
ثالثاً : لا قيمة لمحاولة ابن تيمية تبرئة يزيد ، بعد أن حكم كبار علماء المذاهب بأن يزيداً هو الذي قتل الحسين عليه السلام وتبرؤوا منه وأفتوا بجواز لعنه ، وبعضهم أفتى بكفره !
وهذه بعض أقوالهم :
ألَّف ابن الجوزي وهو من كبار علماء الحنابلة كتاباً خاصاً في وجوب لعن يزيد والبراءة منه ، سماه ( الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد ) وقد أثبت فيه أن يزيدا هو الذي قتل الحسين عليه السلام وبين فيه فتوى إمام المذهب أحمد بن حنبل وغيره بلعن يزيد .
وقال القندوزي في ينابيع المودة : 3 / 33 : ( فإن ابن الجوزي في كتابه المسمى بالرد على المتعصب العنيد المانع من لعن يزيد :
سألني سائل عن يزيد بن معاوية ، فقلت له : يكفيه ما به . فقال : أيجوز لعنه؟ قلت : قد أجازه العلماء الورعون ، منهم أحمد بن حنبل ، فإنه ذكر في حق يزيد ما يزيد على اللعنة .
ثم روى ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى أنه روى كتابه المعتمد في الأصول بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل رحمهما الله قال : قلت لأبي : إن قوماً ينسبوننا إلى تولي يزيد ! فقال : يا بني و هل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله ، ولم لا يلعن من لعنه الله تعالى في كتابه ؟! فقلت : في أي آية ؟
قال : في قوله تعالى : ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ 2 فهل يكون فساد أعظم من القتل؟!
قال ابن الجوزي : وصنف القاضي أبو يعلى كتاباً ذكر فيه بيان من يستحق اللعن وذكر منهم يزيد ، ثم ذكر حديث : ( من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) .
وفي الكنى و الألقاب للقمي : 1 / 92 : ( قال السبط ابن الجوزي : ولما لعنه جدي أبو الفرج على المنبر ببغداد بحضرة الإمام الناصر وأكابر العلماء ، قام جماعة من الجفاة من مجلسه فذهبوا فقال جدي : ﴿ ... أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ﴾ 3 .
و حكى لي بعض أشياخنا عن ذلك اليوم أن جماعة سألوا جدي عن يزيد فقال : ما تقولون في رجل ولي ثلاث سنين ، في السنة الأولى قتل الحسين بن علي !
وفي الثانية أخاف المدينة وأباحها !
وفي الثالثة رمى الكعبة بالمجانيق وهدمها؟!
فقالوا نلعنه ! فقال فالعنوه !
وقال جدي في كتاب الرد على المتعصب العنيد : وقد جاء في الحديث لعن من فعل ما لا يقارب عشر معشار فعل يزيد ، ثم ذكر لعن الواشمات والمتوشمات والمصورين وآكل الربا وموكله ولعنت الخمرة على عشرة وجوه . انتهى .
و روى الهيثمي في مجمع الزوائد : 9 / 193 ، ووثق رواته ، قال : ( وعن الضحاك بن عثمان قال خرج الحسين بن علي إلى الكوفة ساخطاً لولاية يزيد بن معاوية ، فكتب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد وهو واليه على العراق : إنه قد بلغني أن حسيناً قد سار إلى الكوفة ، وقد ابتلى به زمانك من بين الأزمان وبلدك من بين البلاد ، وابتليت به من بين العمال ، وعندها تعتق أو تعود عبداً كما تعتبد العبيد ، فقتله عبيد الله بن زياد وبعث برأسه إليه فلما وضع بين يديه تمثل بقول الحصين بن حمام المري :
نفلق هاماً من رجال أحبة *** إلينا وهم كانوا أعقَّ وأظلم 4 .
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : 4 / 37 ، في ترجمة يزيد : ( كان قوياً شجاعاً ، ذا رأي وحزم وفطنة ، وفصاحة وله شعر جيد . و كان ناصبياً ، فظاً ، غليظاً ، جلفاً ، يتناول المسكر ، ويفعل المنكر . افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين ، واختتمها بواقعة الحرة ، فمقته الناس . ولم يبارك في عمره . وخرج عليه غير واحد بعد الحسين . كأهل المدينة قاموا لله ، و كمرداس بن أدية الحنظلي البصري ، ونافع بن الأزرق ، وطواف بن معلى السدوسي وابن الزبير بمكة ) . انتهى .
وقال الآلوسي في تفسيره : 26 / 73 في تفسير قوله تعالى : ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ 2 :
( من يقول إن يزيد لم يعص بذلك ، ولا يجوز لعنه فينبغي أن ينظم في سلسلة أنصار يزيد . وأنا أقول إن الخبيث لم يكن مصدقاً بالرسالة للنبي ( ص ) وإن مجموع ما فعله مع أهل حرم الله وأهل حرم نبيه ( ص ) و عترته الطيبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات ، وما صدر منه من المخازي ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر . ولا أظن أن أمره كان خافياً على أجلة المسلمين إذ ذاك ، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين ولم يسعهم إلا الصبر ...
إلى أن يقول : وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله على اليقين ، ولو لم يتصور أن يكون له مثل .
ثم قال : نقل البرزنجي في الإشاعة ، والهيثمي في الصواعق أن الإمام أحمد لما سأله ابنه عبد الله عن لعن يزيد قال : كيف لا يلعن من لعنه الله في كتابه ؟! فقال عبد الله : قرأت كتاب الله عز وجل فلم أجد فيه لعن يزيد ، فقال الإمام : إن الله يقول : ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ 2 ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ... ﴾ 5 . وأي فساد وقطيعة أشد مما فعله يزيد . ثم ذكر جزم وتصريح جماعة من العلماء بكفره ولعنه ، منهم القاضي أبو يعلى ، والحافظ ابن الجوزي .
ثم نقل قول التفتازاني : لا نتوقف في شأنه لعنة الله عليه وعلى أعوانه وأنصاره.
ثم نقل من تأريخ ابن الوردي والوافي بالوفيات لابن خلكان قول يزيد عند ورود نساء الحسين وأطفاله والرؤوس على الرماح وقد أشرف على ثنية جيرون ونعب الغراب :
لما بدت تلك الحمول و أشـرقت *** تلك الشموس على ربى جيرون
نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل *** فلقد قضيـت من النـبي ديوني
وعلق بقوله : يعني أنه قتله بمن قتل رسول الله يوم بدر ، كجده عتبة وخاله ولد عتبة و غيرهما ، وهذا كفر صريح … الخ . ) . انتهى .
وقال الشوكاني في نيل الأوطار : 7 / 147 : ( لقد أفرط بعض أهل العلم فحكموا بأن الحسين رضي الله عنه باغ على الخمِّير السكير الهاتك لحرمة الشريعة المطهرة ، يزيد بن معاوية لعنهم الله ! فيا للعجب من مقالات تقشعر منها الجلود ، ويتصدع من سماعها كل جلمود ! ) .
وقال الجاحظ في الرسالة الحادية عشر ص 398 : ( المنكرات التي اقترفها يزيد من قتل الحسين وحمله بنات رسول الله ( ص ) سبايا ، وقرعه ثنايا الحصين بالعود ، وإخافته أهل المدينة ، وهدم الكعبة ، تدل على القسوة والغلظة ، والنصب ، وسوء الرأي ، والحقد والبغضاء والنفاق والخروج عن الإيمان ، فالفاسق ملعون ، ومن نهى عن شتم الملعون فملعون ) .
وقال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب : 1 / 68 : ( قال التفتازاني في شرح العقائد النسفية : اتفقوا على جواز اللعن على من قتل الحسين ، أو أمر به ، أو أجازه ، أو رضي به ، والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك و إهانته أهل بيت رسول الله مما تواتر معناه وإن كان تفصيله آحاداً ، فنحن لا نتوقف في شأنه ، بل في كفره وإيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه ) .
وقال الشبراوي في كتابه الإتحاف بحب الأشراف ص 62 ، بعد أن ذكر أعمال يزيد : ( ولا يشك عاقل أن يزيد بن معاوية هو القاتل للحسين ، لأنه هو الذي ندب عبيد الله بن زياد لقتل الحسين ) .
معاوية هو المسؤول عن كل جرائم يزيد
قال السمهودي في وفاء الوفاء : 1 / 91 : ( و أخرج ابن أبي خيثمة بسند صحيح إلى جويرية بنت أسماء : سمعت أشياخ المدينة يتحدثون أن معاوية لما احتضر دعا يزيد فقال له : إن لك من أهل المدينة يوماً فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فإني عرفت نصيحته . فلما ولي يزيد وفد عليه عبد الله بن حنظلة وجماعة فأكرمهم وأجازهم فرجع فحرض الناس على يزيد وعابه ودعاهم إلى خلع يزيد فأجابوه ، فبلغ ذلك يزيد فجهز إليهم مسلم بن عقبة .. الخ ) .
وقال الحافظ ابن عقيل ( في النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ص 62 ) : ( قال المحدث الفقيه ابن قتيبة رحمه الله في كتاب الإمامة والسياسة ، والبيهقي في المحاسن والمساوئ ، واللفظ للأول : قال أبو معشر : دخل رجل من أهل الشام على امرأة نفساء من نساء الأنصار ومعها صبي لها ، فقال لها : هل من مال؟ قالت : لا والله ما تركوا لي شيئاً ! فقال : والله لتخرجن إليَّ شيئاً أو لأقتلنك وصبيك هذا !
فقالت له : ويحك إنه ولد أبي كبشة الأنصاري صاحب رسول الله ( ص ) ، و لقد بايعت رسول الله ( ص ) معه يوم بيعة الشجرة على أن لا أسرق ولا أزني ولا أقتل ولدي ولا آتي ببهتان أفتريه فما أتيت شيئاً فاتق الله ، ثم قالت : يا بني والله لو كان عندي شئ لافتديتك به !
قال : فأخذ برجل الصبي والثدي في فمه فجذبه من حجرها فضرب به الحائط فانتشر دماغه في الأرض!! قال فلم يخرج من البيت حتى اسود نصف وجهه وصار مثلاً!! وأمثال هذه من أهل الشام ومن مسلم نفسه كثيرة ! فمسلم في هذا كله منفذ لأمر يزيد ، ويزيد منفذ لأمر معاوية !
فكل هذه الدماء وكل هذه المنكرات الموبقات ودم الحسين ومن معه في عنق معاوية أولاً ، ثم في عنق يزيد ثانياً ، ثم في عنق مسلم وابن زياد ثالثاً !!
أفبعد هذا يتصور أن يقال لعله تاب ورجع ؟ كلا والله ولقد صدق من قال : أبقى لنا معاوية في كل عصر فئة باغية . فهاهم أشياعه وأنصاره إلى يومنا هذا يقلبون الحقائق و يلبسون الحق بالباطل : ﴿ ... وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا ... ﴾ 6 7 .
- 1.
كتب الشيخ الكوراني في مقدمة هذا الكتاب : وصلتنا رسالة على شكل منشور من
بعض علماء الوهابية في باكستان ، تتضمن خمسين سؤالاً أو إشكالاً ، وقد
جمعوا فيها بعض الأحاديث والنصوص من مصادر مذهبنا ، وبعض كلمات من مؤلفات
لعلماء شيعة ، وأكثرها مؤلفات غير معروفة ، وأرادوا أن يثبتوا بها كفر
الشيعة ! وجعلوا عنوانها : هل الشيعة كفار.. ؟ أحكموا أنتم !
وهذه إجابات عليها ، تكشف ما ارتكبه كاتبها من كذب على الشيعة ، وبتر للنصوص ، وتحريف للمعاني ، وسوء فهم ، وقد جمعنا الأسئلة في محاور ، ليكون الجواب على موضوعاتها ، والله ولي القبول والتوفيق .
وأصلها باللغة الفارسية وهذه ترجمتها بنصه : هل الشيعة كفار .. أحكموا أنتم ! - 2. a. b. c. القران الكريم : سورة محمد ( 47 ) ، الآية : 22 ، الصفحة : 509 .
- 3. القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 95 ، الصفحة : 232 .
- 4. و رواه الطبراني في المعجم الكبير : 3 / 115، و ابن عساكر في تاريخ دمشق : 14 / 214 و : 65 / 396 ، و الذهبي في سير أعلام النبلاء : 3 / 305 ، و ابن كثير في النهاية : 8 / 178، و غيرهم .
- 5. القران الكريم : سورة محمد ( 47 ) ، الآية : 23 ، الصفحة : 509 .
- 6. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 41 ، الصفحة : 114 .
- 7. من كتاب : مسائل مجلة جيش الصحابة ( أجوبة على مسائل وجهتها إلى علماء الشيعة ، مجلة الخلافة الراشدة الباكستانية ، التابعة لمنظمة جيش الصحابة ) للشيخ علي الكوراني العاملي ، السؤال رقم : 42 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق