
عدالة الصحابة
إن قضية عدالة الصحابة
من الموضوعات الخلافية بين اهل السنة و الشيعة ، فان اهل السنة يقولون
بعدلة جميع اصحاب النبي الاکرم (صلي الله عليه و آله و سلم ) و يقدسون جميع
الصحابة و يعتقدون بان من سبٌ الصحابة فقد تزندق و کفر . واما اهل التشيع
لا يعتقدون بعدالة جميعهم و لا يقدسون جميعهم کاهل السنة بل يعتقدون بعدالة
بعضهم و يقدسون بعضهم ويعتبرون بعض الصحابة کأولياء و منهم سلمان الفارسي و
ابوذر الغفاري و عمار و غيرهم و يعتقدون أن بعض الصحابة هم منافقين و غير
مؤمنين .
فإن اهل السنة اتفقو
علي أن جميع الصحابة عدول ، و لم يخالف في ذلک الاٌ شذوذ من المبتدعة علي
حد تعبير ابن حجر العسقلاني ، و يجب الاعتقاد بنزاهتهم ، إذ ثبت أن الجميع
من أهل الجنة و أنه لا يدخل أحد منهم النار .
و ذکر الخطيب أن عدالة
الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم و اخباره عن طهارتهم و اختياره لهم .
فمن ذلک قوله تعالي : � کنتم خير أمة أخرجت للناس � و کذلک قوله : � و
کذلک جعلناکم أمة وسطاً � . قوله لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونک تحت
الشجرة فعلم ما في قلوبهم � و قوله تعالي : � والسبقون الأولون من
المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم و رضو عنه � و
کذلک آيت أخري و روايات ۸ديدة
أخري تدل علي عدالة جميع الصحابة. و من جملة الأحاديث الحديث المزعوم من
الرسول ( ص ) : أصحابي کالنجوم بأيهم إهنديتم إقتديتم .
إن عدالة الصحابة عند أهل
السنة تعني أن کل من عاصر الرسول أو ولد في عصره و آمن به و شاهده فلا
يجوز عليه التکذيب و التزوير ، ولا يجوز تجريحه ، و لو قتل آلافاً و فعل
المنکرات .
و من أقوال اهل السنة : �
إذا رأيت الرجل ينقص أحدا من أصحاب رسول الله فأعلم أنه زنديق و الذين
ينقصون أحداً غلي الإطلاق من أصحاب رسول الله هم زنادقة و الجرح أولي بهم(
الإصابة لابن حجر / ۱۷ و ۱۸ ) و قول بعضهم � ومن عابهم و انتقصهم فلا تواکلوه و لا تشاربوه ولا تصلوا عليه �
و ذلک أن الرسول حق ،
والقران حق ، وما جاء به حق ، و إنما أدٌي إلينا ذلک کله الصحابة و هؤلاء
الذين ينقصون أحدا من الصحابة يريدون أن يخرجوا شهودنا ليبطلوا الکتاب و
السنة و الجرح أولي بهم و هم زنادقة ( الإصابة / ۱۷ و ۱۸ )
نقد النظرية
و آما نقد نظرية اهل
السنة في عدالة الصحابة بالإجمال : فغي المذکرة القادمة سوف نجيب علي نظرية
اهل السنة و ندرس القضية بالتفصيل و نقول بالإجمال في هذه المذکرة : حول
هذه النظرية
۱- أنها تتعارض مع النصوص القرانية القاطعة.
۲- أنها تتعارض مع السنة النبوية بفروعها الثلاثة : القول و الفعل و التقرير .
۳- نظرية عدالة کل الصحابة ينقضها واقع الحال .
۴ - أنها تتعارض مع روح الإسلام العامة و مع حسن الخاتمة و مع الغاية من الحياة نفسها.
۵ - أنها تتعارض مع البراهين العقلية و کذلک الحوادث التاريخية و المظالم الواقعة بأيدي بعض الصحابة .
لقد تحدثنا عن قضية عدالة الصحابة من قبل و في هذه المذکرة سنکمل ما کتبناه سابقاً:
لقد ذکرنا بأن عدالة جميع الصحابة تعارض و واقع الحال و البعض من الآيات القرآنية والروايات الصحيحة.
إن اْهل السنة و الجماعة علي قول كبار علمائهم يستندون ببعض الآيات علي عدالة جميع الصحابة و من جملتها آية / ۱۱۰ من سورة آل عمران : � كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله ...�
و إختلف العلماء في
المراد عن الآية هل تشمل الأمة بأفرادها فرداً فرداً أو هو الأمة إجمالاً
دون النظر بأفرادها فذهب البعض الي الرآي الأول ومنهم الخطيب البغدادي و
إبن حجر العسقلاني و إبن عبد البر القرطبي و إبن الصلاح و إبن النجار
الحنبلي والآيه في نظرهم شاملة لجميع أفراد الأمة و هم الصحابة آنذاک ، فکل
صحابي يتصف بالخيرية و العدالة مادام يشهد الشهادتين.
ولکن البعض الآخر ذهبوا
إلي الرآي الثاني و هو إتصاف مجموع الأمة بالخيرية دون النظر الي الأفراد
فردا فردا و قيدوا هذه الصفة بشرط الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر.
قال الفخر الرازي : �
المعني أنکم کنتم في اللوح المحفوظ خير الأمم و أفضلهم فاللائق بهذا أن لا
تبطلوا علي أنفسکم هذه الفضيلة ... و ان تکونوا منقادين مطيعين في کل ما
يتوجه عليکم من التکاليف ... � ( التفسير الکبير ج ۸ / ۱۸۹ -۱۹۱
و قال القرطبي : � تامرون
بالمعروف و تنهون عن المنکر : مدح لهذه الامة ما اقامو ذلک و اتصفوا به،
فاذا ترکوالتغيير و تواطئوا علي المنکر ، زال عنهم إسم المدح و لحقهم إسم
الذم و کان ذلک سببا لهلاکهم � نقلا عن : ( مجمع البيان في تفسير القرآن
للطبرسي ج ۱ / ۴۸۶)
و من جملة الآيات التي يستفيدون منها عدالة جميع الصحابة آية/ ۸ من سورة الأنفال �يا أيها النبي حسبک الله و من إتبعک من المؤمنين �
فالآية تطيب لخاطر النبي بأن الله حسبه و ناصره علي أعدائه و الإختلاف في
ذيل الآية فقال مجاهد : : حسبک الله و المؤمنون ( الدر المنثور ج۴ / ۱۰۱ ) فهو جعل المومنين معطوفين علي الله تعالي ، فالله و المؤمنون هم الذين ينصرون النبي ( صلي الله عليه و آله و سلم )و يؤيدوه .
و ذهب إبن کثير إلي جعل
المؤمنين معطوفين علي النبي ( ص ) و أن الله تعالي ناصرهم و مويدهم فقال : �
يخبرهم أنه حسبهم ، اي کافيهم و ناصرهم و مؤيدهم علي عدوهم � ( تفسير
القرآن العظيم ج۲ /۳۳۷ )
والعلامة الطباطبايي رجح الرأي الأول في کتاب الميزان ج ۹ / ۱۲۱ .
و قد ذهب الخطيب البغدادي و ابن حجر العسقلاني الي القول بثبوت عدالة الصحابة أجمعين و طهارتهم ( الکفاية في علم الرواية / ۴۶ . والإصابة في تمييز الصحابة ج۱ / ۶ )
مع أن الآية قد نزل في
مورد خاص و في معرکة بدر فکيف نعممها علي جميع الصحابة حتي الذين کانوا
يقاتلون في صف المشرکين آنذاک ثم أسلموا فيما بعد ؟
و قد تسالم المفسرون علي نزول الآية في جماعة خاصة من الصحابة و هم الأوائل منهم لا کلهم.
و قيل أنها نزلت في الأنصار ( الدر المنثور ج۴ / ۱۰۱)
و قيل نزلت في الأربعين الذين أسلموا في بداية البعثة (شواهد التنزيل ، للحسکاني ج۱ ۲۳۰ )
إضافة الي أن الآية تشمل الأوائل من الصحابة و لکنها مشروطة بحسن العاقبة و لا تشمل � الذين في قلوبهم مرض � و �المنافقين�
ذکرنا من قبل بأن أهل السنة و الجماعة يستدلون ببعض الآيات القرآنية في عدالة جميع الصحابة و منها آية/۱۸ من سورة الفتح و هي : < لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم و أثابهم فتحا قريبا .>
في هذه الآية أثني الله
تعالي علي الصحابة الذين بايعوا رسول الله ( صلي الله عليه و آله و سلم )
تحت الشجرة و هي بيعة الرضوان و و أعلن رضوانه عنهم و أنزل سكينته علي
قلوبهم .
إن الآية نزلت في بيعة
الرضوان و تختص بالمبايعين فقط و عددهم حسب المشهور من الروايات كان ألفا و
أربعمائة و هي مخصصة بالذين آمنوا و لم يكن في قلوبهم مرض ، و إستقاموا
علي الايمان و لم ينحرفوا عن لوازم البيعة و لكن الخطيب البغدادي أدرج جميع
الصحابة في هذه الآية و تابعه إبن حجر العسقلاني ، ولهذا إدٌعوا عدالة
جميع الصحابة .
ولكن هذا الإدعاء عند
الشيعة غير صحيح لأن رضوان الله مختصة بالمبايعين الذين لم يكن في قلوبهم
مرض و إستقاموا علي الايمان و غيرهم خارج عن ذلك، و لأن سبب البيعة هو وصول
الخبر بمقتل عثمان من قبل المشركين بعد أن أرسله رسول الله (ص )مبعوثا عنه
إلي قريش ، و هؤلاء المشركون هم الذين أسلموا فيما بعد و أصبحوا من
الصحابة ، فكيف يشملهم رضوان الله و سكينته و هم السبب الأساسي في الدعوة
الي البيعة؟ فكيف يعقل أن يكون رضوان الله شاملا للمبايعين و للمراد
قتالهم في آن واحد ؟!
إضافة الي ذلك فإن الأجر المترتب علي الآية موقوف علي الوفاء بالعهد كما قال الله تعالي في الآية الكريمة
< إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يدالله فوق أيديهم فمن نكث
فإنما نكث علي نفسه و من أوفي بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما > (سورة الفتح آية ۱۰ )
و كل ذلك مشروط بحسن العاقبة ، كما ورد في رواية البراء بن عازب حينما قيل له ( طوبي لك صحبت النبي (ص ) و بايعته تحت الشجرة ) فقال للقائل : ( ... إنك لا تدري ما أحدثنا بعده ) < صحيح البخاري ج ۵ /
> و التأريخ خير دليل علي ذلك و لم تمض علي البيعة إلا أيام معدودة حتي
عقد رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم ) معاهدة صلح الحديبية ، فدخل
الشك و الريب قلوب بعض الصحابة حتي خالفوا أوامر رسول الله (ص ) ، فلم
يستجيبوا له حينما أمرهم بالحلق و النحر إلا بعد التكرار و قيامه بنفسه
بالحلق و النحر .( تأريح اليعقوبي ج۲ : ۵۵ و الكامل في التاريخ ج۲ : ۲۰۵ )
و هذا يدل علي أن لحسن
العاقبة دورا كبيرا في الحكم علي البعض بالعدالة و عدمها و لا دليل لشموله
لجميع المراحل التي تعقب مرحلة البيعة ، فمثلا أن قاتل عمار بن ياسر في
صفين كان من المبايعين تحت الشجرة كما ذكر في كتاب : الفصل في الأهواء
والملل و النحل ج۴ ص ۱۶۱ ، و قد قال رسول الله ( ص ) : <قاتله و سالبه في النار > كما نقل الحديث في : الطبقات الكبري ج۳ ص ۲۶۱ و أسد الغابة ج۴ ص ۴۷ و كنز العمال ج ۱۳ ص ۵۳۱ و غير ها.
و ايضا قال رسول الله (ص ) : < ويح عمار تقتله الفئة الباغية ، عمار يدعوهم الي الله ، و يدعونه الي النار > ( صحيح البخاري ج۴ ص ۲۵ و العقد الفريد ج۵ ص ۹۰ و الكامل في التاريخ ج۳ ص ۳۱۰ . >
إن رسول الله ( صلي الله عليه و آله و سلم ) قال : < لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب يعضكم رقاب بعض > ( مسند احمد ج۶ ص۱۹ و صحيح البخاري ج۱ ص ۳۹ و صحيح مسلم ج ۱ ص ۸۲ .
فقد قتل عبدالرحمن بن عديس البلوي عثمان بن عفان و عبدالرحمن هو من الذين بايعوا بيعة الرضوان ( تأريخ المدينة المنورة ج۴ ص ۱۵۵ ) و كذلك شارك في قتل عثمان عدد من الصحابة و التابعين و منهم محمد بن أبي بكر بن ابي قحافة .
و قد قاتل معاوية بن ابي
سفيان عليا في حرب الصفين و قتل في تلك المعركة عدد من خيار الصحابة و من
المهاجرين الأوائل كعمار بن ياسر و خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين . و كذالك
قتل معاوية الصحابي الجليل حجـربن عدي و قـد قــال رســـول الله بحقه و حق
من قتـــل معه < يقتل بمرج عذراء نفر يغضب لهم أهل السماوات > (تاريخ اليعقوبي ج۲ ص ۲۳۱ .)
و إذا برر البعض ما فعله
معاوية بأنه كان مجتهدا فلا إجتهاد لبسر بن أرطاة حينما قتل طفلين
لعبيدالله بن العباس بن عبد المطلب و ذلك باليمن ! ( الكامل في التاريخ ج ۳ ص ۳۸۴ )
علي أية حال إذا تتبعنا
سيرة بعض الصحابة نجدهم قد قاموا بسب البعض الآخرين و لعنهم و القتال بعضهم
مع بعض آخر و إستحلال قتل من تقدمهم بالإيمان و الهجرة ! فكيف تشمل الآية
جميع الصحابة ؟ و كيف يمكن القول بأن عمار بن ياسر الشهيد في الصفين له
أجران و هو في الجنة و قاتله له أجر واحد و هو من أهل الجنة ؟ و كيف يقال
أن معاوية من أهل الجنة و من معه علي الحق و علي بن ابي طالب ( عليه السلام
) و من معه أيضا علي الحق و هم من أهل الجنة ؟ فما هو الفرق بين أصحاب
معاوية و بين الخوارج و ما الفرق بينهم و بين أصحاب الجمل ؟ و ما الفرق بين
جميعهم و بين المؤمنين المخلصين من الصحابة و أهل البيت ( رضوان الله
عليهم ) ؟ هل الجميع من أهل الجنة و الرضوان من الله تعالي ؟ ام هل اللاعن
و الملعون و القاتل و المقتول و الظالم و المظلوم كلهم في الجنة ؟ هل
العقل و النقل يوافقان علي هذه الفكرة الجامدة ؟ كلا و لا والله ... أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون . ام هل نزلت آية النبأ في من ؟ يا ايها الذين آمنوا ان جائكم فاسق بنبا، فتبينوا ...
ونحن ندعوا إخواننا من
الواعين و المثقفين من أهل السنة و الجماعة أن يحققوا و يبحثوا في السنة و
التأريخ و لا يثقوا بأقوال بعض علمائهم فيما يقولونه تقية من الحكام و لأجل
الحفاظ علي مناصبهم و معيشتهم !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق