
الشبهة الثانية: التشكيك في صحّة الحديث وتواتره
قال فخر الدين الرازي المتوفى 606: حول هذا الحديث الشريف في ( نهاية العقول ):
لا نسلّم صحّة الحديث ، أما دعواهم العلم الضروري بصحته فهي مكابرة ، لأنّا نعلم أنه ليس العلم بصحته كالعلم بوجود محمد عليه السلام وغزواته مع الكفار وفتح مكة وغيره ذلك من المتواترات ، بل العلم بصحة الأحاديث الواردة في فضائل الصحابة أقوى من العلم بصحة هذا الحديث ، مع أنهم يقدحون بها ، وإذا كان كذلك فكيف يمكنهم القطع بصحة هذا الحديث ؟ . نفحات الأزهار ج 123/6.
قال السعد الدين التفتازاني المتوفى 793: والجواب منع تواتر الخبر فإن ذلك من مكابرات الشيعة، كيف وقد قدح في صحته كثير من أهل الحديث.
ثمّ قال: (ولم ينقله المحقّقون منهم كالبخاري ومسلم والواقدي). المراصد على شرح المقاصد: 272.
قال الشيخ سليم البشري المالكي شيخ الجامع الأزهر سنة 1329: ما الوجه في الاحتجاج به مع عدم تواتره؟ الشيعة متفقون على اعتبار التواتر فيما يحتجون به على الإمامة لأنها عندهم من أصول الدين ، فما الوجه في احتجاجكم بحديث الغدير مع عدم تواتره عند أهل السنة ؟ وإن كان ثابتا من طرقهم الصحيحة. المراجعات للسيّد شرف الدين: 264.
فيردّه امور:
1 - خروج كثير من الرجال إلى الحج مع النبي(ص):
من أمعن في تاريخ الإسلام وحياة النبي (ص) يعلم بأنّ أكثر ما يهتم به (ص) هو مسألة الخلافة من بعده، بحيث قد صرّح في أوّل مجتع من رجال القريش بعد نزول آية الشريفة "وأنذر عشيرتك الأقربين": بأنّ عليّاً وصييي وخليفتي من بعدى وبعد ذلك أشار أو صرّح بها في أيّ فرصة يرى أرضيّه صالحة لها، كما في قضيّة غزوة الأحزاب، وخيبر، والطير، والخاتم والكساء و... بحيث استدلّ العلّامة الحلّي على تعيين إمامة علي بن أبي طالب(ع) بأربع وثمانين آية قرآنيّة وسبعة وعشرين حديثاً، وثلاثة عشر فضلاً من فضائله الخاصّة به. نهج الحق وكشف الصدق: 171 - 262.
وممّا كان يعلم النبي (ص) بوحي من اللّه تعالى بأنّ السنة العاشرة من هجرته آخر سنة من عمره أراد أن يحجّ ويعلن مسألة الخلافة بمرأى ومنظر جمع كثير من المسلمين بحيث لا يمكن لأحد أن ينكره.
فأذّن في الناس ليحجّ معه كلّ من يمكنه من الانصار والمهاجرين وسائر قبائل العرب.
قال الأميني: أجمع رسول اللّه (ص) الخروج إلى الحج في سنة عشر من مهاجره ، وأذّن في الناس بذلك ، فقدم المدينة خلق كثير يأتمّون به في حجّته تلك التي يقال عليها حجة الوداع ... ، وأخرج معه نساءه كلّهنّ في الهوادج ، وسار معه أهل بيته ، وعامّة المهاجرين والأنصار ، ومن شاء اللّه من قبائل العرب وأفناء الناس. أخلاط، أى لا يدرى من أيّ قبيلة هو. الطبقات لابن سعد ج 3 ص 225 ، إمتاع المقريزي ص 510 ، إرشاد الساري ج 6 ص 429. وعند خروجه(ص) أصاب الناس بالمدينة جُدَري ( بضم الجيم وفتح الدال وبفتحهما ) أو حصبة منعت كثيراً من الناس من الحجّ معه(ص) ، ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها إلا اللّه تعالى ، وقد يقال : خرج معه تسعون ألف، (90/000) ويقال : مائة ألف و أربعة عشر ألفاً (114/000)، وقيل : مائة ألف وعشرون ألفاً (120/000)، وقيل : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، (124/000) و يقال أكثر من ذلك ، وهذه عدة من خرج معه ، وأمّا الذين حجّوا معه فأكثر من ذلك كالمقيمين بمكّة والذين أتوا من اليمن مع علي (أمير المؤمنين)(ع) وأبي موسى. السيرة الحلبية ج 3 ص 283،(257/3) سيرة أحمد زيني دحلان ج 3 ص 3، (143/2) تاريخ الخلفاء لابن الجوزي في الجزء الرابع ، تذكرة خواص الأمة ص 30)18) ، دائرة المعارف لفريد وجدي ج 3 ص 542. المؤلف.
2 - كثرة من سمع عن النبي(ص) خطبة الغدير:
قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654: اتفق علماء السير أن قصة الغدير كانت بعد رجوع رسول (صلى اللّه عليه وآله ) من حجّة الوداع في الثامن عشر من ذى الحجة ، وكان معه من الصحابة والاعراب وممن يسكن حول مكّة والمدينة مائة وعشرون ألفاً ، وهم الذين شهدوا معه حجة الوداع ، وسمعوا منه ( من كنت مولاه فعلى مولاه ) . وأخرجه احمد بن حنبل في المسند والفضائل ، وأخرجه الترمذى أيضا. تذكرة الخواص: 18 (29) وراجع: أقسام المولى للشيخ المفيد: 31، ورسالة في معنى المولى للشيخ المفيد:16، والعدد القوية للحلي: 183، الغدير: 296/1 (546).
وقريب من هذا نقله الأميني عن أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي المتوفى 597. الغدير: 296/1 (545).
3 - كثرة طرق الحديث بحيث يطمئنّ الانسان بصدوره ويمنع أيّ تشكيك في صحّته:
قال الأميني في كتابه القيّم الغدير: وقد رواه أحمد بن حنبل من أربعين (40) طريقاً ، وابن جرير الطبري من نيّف وسبعين (72) طريقاً ، وابن عقدة من مائة وخمس (105) طرق ، وأبو سعيد السجستاني من مائة وعشرين (120) طريقاً ، وأبو بكر الجُعابي من مائة وخمس وعشرين (125) طريقاً ، وفي تعليق هداية العقول (ص30) عن الأمير محمد اليمني أحد شعراء الغدير في القرن الثاني عشر: أنّ له مائة وخمسين (150) طريقاً. الغدير: 14/1، (40).
وقال في موضع آخر: وقال العلوي الهدّار في القول الفصل (445/1): كان الحافظ أبو العلاء العطّار الهمداني يقول أروي هذا الحديث بمائتين وخمسين (250) طريقاً. الغدير: 158/1 (324).
وفي شرح إحقاق الحق: عن صاحب كتاب نخب المناقب لآل أبي طالب ، حيث قال ما لفظه : قال جدي شهر آشوب سمعت أبا المعالي الجويني (استاذ الغزالي) يتعجّب ويقول : شاهدت مجلداً ببغداد بيد صحّاف فيه روايات هذ الخبر مكتوباً عليه المجلّدة الثامنة والعشرون من طرق قوله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وتتلوه المجلدة التاسعة والعشرون. وذكره ابن كثير أيضا في التاريخ. شرح إحقاق الحق: 424/2، وراجع: ينابيع المودة: 36، الشافي للمرتضى: 308/2، غاية المرام: 303/1، فضائل الخمسة: 392/1، والغدير: 158/1 (324).
وفيه أيضاً: قال الشيخ عبد اللّه الشافعي في كتابه المناقب ص 108 مخطوط وهذا الخبر - أي حديث الغدير - قد تجاوز حد التواتر فلا يوجد خبر قط نقل من طرق كهذه الطرق. إحقاق الحق: 290/6.
وقال أيضاً: على ما في الطرائف: أبو مسعود بن ناصر السجستاني وهو من أوثق رجال المذاهب الأربعة له كتاب دراية حديث الولاية وهو سبعة عشر جزء روي فيه نص النبي على علي بالخلافة عن مأة وعشرين صحابيّاً وست صحابيّات ، وعدد أسانيد هذا الكتاب ألف وثلاثمأة (1300). شرح إحقاق الحق: 424/2.
4 - شهادة ثلّة من علماء العامّة بصحّة الحديث:
إنّ سند حديث الغدير صحيح؛ بل متواتر عند أصحابنا بطرقهم وأسانيدهم، كما لا يخفى على من راجع كتبهم، وهكذا قد نصّ جمع كثير من علماء السنّة على صحّته:
1 - أبو عيسى الترمذي صاحب الصحيح المتوفى سنة 279 حيث قال بعد أن أخرجه: هذا حديث حسن صحيح. صحيح الترمذي: 2 / 298.
2 - أبو جعفر الطحاوي المتوفى سنة 279 فإنّه قال بعد أن رواه: فهذا الحديث صحيح الإسناد ولا طعن لأحد في رواته . مشكل الآثار: 2 / 308.
3 - ابن عبد البر القرطبي المتوفى سنة 364 فإنّه قال بعد أحاديث منها حديث الغدير: هذه كلها آثار ثابتة. الإستيعاب 2 / 273.
4 - الحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405 حيث أخرجه بعدّة طرق وصحّحها. المستدرك على الصحيحين 3 / 109.
5 - الذهبي شمس الدين المتوفّى سنة 748؛ فإنّه وافق الحاكم على تصحيحه في تلخيصه كما نقل عنه ابن كثير ذلكواعتمده. تلخيص المستدرك: 109/3.
6 - ابن كثير المتوفّى سنة 774، فقد ذكر الحديث ثمّ قال: قال شيخنا أبو عبد اللّه الذهبي: هذا حديث صحيح. تاريخ ابن كثير: 209/5.
7 - ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 حيث قال: وأما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جدّاً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان. فتح الباري: 61/7.
8 - ابن حجر المكي المتوفى سنة 974: إنه حديث صحيح لا مرية فيه ، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، فطرقه كثيرة جداً، ومن ثمّ رواه ستة عشر صحابيا.
وفي رواية لأحمد: إنه سمعه من النبي ثلاثون صحابيّاً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته كما مر وسيأتي، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ولاالتفات لمن قدح في صحته، ولا لمن ردّه بأنّ عليّاً كان باليمن، لثبوت رجوعه منها. الصواعق المحرقة: 25.
9 - ملّا علي القاري المتوفى سنة 1014 فإنه قال بعد أن رواه: والحاصل: إن هذا حديث صحيح لا مرية فيه، بل بعض الحفّاظ عدّه متواتراً،فلا التفات لمن قدح في ثبوت هذا الحديث، وأبعد من ردّه بأنّ عليّاً كان باليمن. المرقاة في شرح المشكاة: 568/5.
10 - المناوي المتوفى سنة 1013 حيث قال: قال ابن حجر: حديث كثير الطرق جدّاً، قد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، منها صحاح ومنها حسان. فيض القدير: 218/6.
11 - نور الدين الهروى القاري الحنفى الموتفى 1014، قال: حديث صحيح لا مرية فيه. المرقاة في شرح المشكاة: 464/10 ح 6091 (568/5)، والغدير: 302/1.
الفقيه ضياء الدين المقبلي المتوفى 1108، قال : إن لم يكن معلوما فما في الدين معلوم. الغدير: 307/1 (561) عن كتابه الابحاث المسددة في الفنون المتعددة. وهداية العقول إلى غاية السؤول: 30/2.
ميرزا محمد البدخشي، الذي كان حيّاً 1126، قال: حديث صحيح مشهور ولم يتكلّم في صحّته إلا متعصّب جاحد لا اعتبار بقوله . نزل الأبرار: 54 ط. القديمة: 21، الغدير:309/1 (565)
المولوي وليّ اللّه بن حبيب الكهنوى، المتوفى 1270 قال: إنه حديث صحيح قد أخطأ من تكلم في صحته، إذ أخرجه جمع من علماء الحديث، مثل الترمذي والنسائي ورواه جمع من الصحابة وشهدوا به لعلي في أيّام خلافته مرآة المؤمنين في مناقب أهل بيت سيدّ المرسلين: 40، الغدير: 311/1 . 567 السيّد محمود الآلوسي البغدادي المتوفى 1270 قال : نعم ثبت عندنا إنّه صلى اللّه عليه وسلم قاله في حق الأمير هناك من كنت مولاه فعلي مولاه. روح المعاني: 61/6، (249/2)، الغدير: 310/1 (566)
5 - نصّ عدّة من العلماء على تواتره:
وقد نصّ على تواتره جماعة وهم:
1 - أبو حامد الغزالي المتوفى 505، قال في سرّ العالمين: وأجمع الجماهير على متن الحديث من قد صرّح على كون الكتاب للغزالي: إسماعيل باشا البغدادى في ايضاح المكنون: 11/2، 80/2 وابن الجوزي في تذكرة خواص الامّة: 62، والذهبي في ميزان الاعتدال: 500/1 وسير أعلام النبلاء: 328/19، 403، لسان الميزان: 215/2. خطبته في يوم غدير خمّ باتّفاق الجميع. سرّ العالمين: 21 ط. القديمة: 9، الغدير: 296/1 (545)
2 - شمس الدين أبو عبد اللّه الذهبي المتوفّى سنة 748.
3 - ابن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774، قال: قال شيخنا الحافظ أبو عبد اللّه الذهبي: الحديث متواتر، أتيّقن أنّ رسول اللّه قاله. البداية والنهاية: 233/5، حوادث سنة 10
4 - ابن الجزري شمس الدين المتوفّى سنة 833، روى الحديث بثمانين طريقاً وأفرد في تواتره رسالة المسمّى ب "أسنى المطالب" قال: صحيح عن وجوه كثيرة ، متواتر عن أمير المؤمنين علي، وهو متواتر أيضا عن النبي، رواه الجمّ الغفير عن الجمّ الغفير، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممّن لا اطلاع له في هذا العلم وصحّ عن جماعة ممن يحصل القطع بخبرهم. أسنى المطالب: 48.
5 - جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 910.
6 - زين الدين المنّاوي الشافعي حيث قال بشرح الحديث نقلا عن السيوطي: قال حديث متواتر. فيض القدير: 218/6. و282/6 بتحقيق أحمد عبد السلام، ط. دار الكتب العلميّة - بيروت.
أبو المكارم علاء الدين السمناني المتوفي 736، قال في العروة: وهذا حديث متّفق على صحّته. العروة لأهل الخلوة: 422 ط. طهران سنة 1404، الغدير: 297/1 (548).
7 - قال أبو عبد اللّه الزرقاني المالكي المتوفى 1122: وهو متواتر رواه ستة عشر صحابيّاً وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي صلى اللّه عليه وسلم ثلاثون صحابيّاً وشهدوا به لعليّ لمّا نوزع أيّام خلافته ، فلا التفات إلى من قدح في صحّته ولا لمن رده بأن عليا كان باليمن لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحج معه صلى اللّه عليه وسلم. شرح المواهب: 13/7، والغدير: 308/1.
6 - ذكر حديث الغدير في الكتب المختصّة بالأحاديث المتواترة:
وقد ذكر حديث الغدير في الكتب المختصة بجمع الأحاديث المتواترة: فللسيوطي ت 911، أكثر من كتاب ألّفه في الأحاديث المتواترة وأدرج فيها حديث الغدير. كالفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة، والأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة.
والزبيدي صاحب تاج العروس المتوفى 1205 له كتاب خاص بالأحاديث المتواترة وفيه حديث الغدير.
والكتاني محمد بن جعفر المتوفى 1345، له كتاب المسمى ب "نظم المتناثر في الحديث المتواتر" حديث الغدير موجود فيه .
والشيخ علي المتقي الهندي صاحب كنز العمال المتوفى 975، له كتاب خاص بالأحاديث المتواترة وفيه حديث الغدير.
والشيخ علي القاري الهروي له أيضا كتاب في الأحاديث المتواترة وحديث الغدير موجود فيه. ذكره السيّد الميلاني في محاضرات في الاعتقادات: 129/1، ولم أجد في ترجمته بأنّ له كتاب سمّاه بهذا الاسم.
فالكتب المختصة بالأحاديث المتواترة مشتملة على حديث الغدير .
الكتب التي نقلت فيها قضيّة صحّة حديث الغدير أو تواتره:
قد نقل العلامة الاميني في كتابه القيّم الغدير (543/1) 43 نفر من العلماء الذين صرّحوا بصحّة حديث الغدير أو تواتره.
وورد في إحقاق الحق (423/2) 15 نفراً من علماء أهل السنّة الذين صرّحوا بتواتره ثمّ قال: إلى غير ذلك من كلماتهم المودعة في كتبهم قد طوينا عن نقلها كشحا روما للاختصار ورعاية لحال النظار وما نقلناه قطرة بالنسبة إلى ما لم ننقل ومن أراد أن يقف على أكثر مما ذكر فليراجع إلى كتبهم.
وهكذا ورد البحث عن صحة الحديث أو تواتره في الشافي في الامامة للشريف المرتضي 261/2 و8/3، ودليل النص بخبر الغدير للكراجكى أبي الفتح المتوفى 449، والطرائف للسيّد بن طاووس المتوفى 664 الصراط المستقيم لزين الدين العاملى المتوفى 877 خلاصة العبقات: 79/8، نزحة الأزهار في شرح خلاصة عبقات الأنوار: 370/6 الامامة في أهمّ الكتب الكلاميّة للسيّد الميلاني: 99.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق